«ماكنة كبيرة تدهس المارة»...

عذابات اللاجئ الذي نجا من الحرب

نشر في 24-01-2017
آخر تحديث 24-01-2017 | 00:02
No Image Caption
تعيث الحرب في هذا البلد أو ذاك خراباً فتقتل كثيرين فيما يلجأ غيرهم إلى بر آخر بعيداً عن وطنهم علّهم يجدون الأمان. فهل يجدونه؟ سؤال يجيب عنه الكاتب والشاعر العراقي زهير كريم في مجموعة قصصية جديدة له صدرت عن «منشورات المتوسط» في إيطاليا، بعنوان «ماكنة كبيرة تدهس المارة».
ثمة تفاصيل في حياة اللاجئين لا يعرفها إلا من اختبر هذه التجربة الصعبة. يحاول زهير كريم في مجموعته الجديدة «ماكنة كبيرة تدهس المارة» التقاط هذه التفاصيل، لا سيما ما يتعلّق منها باللاجئ العراقي في أماكن لجوئه. هو الكاتب والشاعر عايشها منذُ خروجِه من العراق مطلع التسعينيات من القرن الماضي.

ينقل كريم تقلّبات هذه الحياة، وانعكاس القديم منها على الجديد، متسلحاً بلغة سرديّة رشيقة ومتقنة، متمكنة من أساليبها. ويبدو واضحاً أنه يحاول الإجابة عن سؤال يدورُ في رأسه من غيرِ أن يطرحه مباشرة، وهو: هل ينجو أحد من الحرب فعلاً؟

يهرب اللاجئون من الموت الذي تزرعه الحروب إلى بلاد جديدة بحثاً عن «الحياة»، فهل يمسكون بها؟ لا أحد ينجو من الحروب، إذ تلاحق اللاجئ صورُها الدموية، والغبارُ الذي يتصاعدُ من تدميرها، فضلاً عن الأذى النفسيّ الذي يلحقُ بمن عاصرها وعايشها. تبقى هذه الأمور كافة مطبوعةً في رأسِ الخارجينَ من الحروب، أينما حلّت بهم الوجهة الأخيرة. وتكون النتيجة أو الحقيقة، أن في الحروبِ ثمّة من يموتون، ومن لا يموتون. ولكن هؤلاء ليسوا ناجينَ بالضرورة!

يعترف زهير كريم بأن حياته الحقيقية هي التي لا تحدث إلا في منطقة المنامات، ويقول: «تتخلّل الوقائع فيها، أحياناً، أشياء مزعجة، لكنها، وبشكل عامّ، تأخذ طابعاً مفرطاً في الحميمية، الحماقات تحدث أيضاً، رغم ذلك، فأنا أنسى كثيراً، ولهذا فهي تتكرّر».

يختبئ الكاتب خلف المنام فيما تبقى اليقظة زمناً يدور في الفراغ. يذكر في هذا المجال: «في الحقيقة تبدو حياتي الأخرى مثل قوقعة، وأنا أختبئ داخلها، حسناً، دعوني أؤكّد أن حياتي الحلمية عكس ذلك تماماً، فما يحدث في أثناء المنام هو الأجمل رغم كل شيء، بينما ساعات اليقظة، ظلّت أشبه بالزمن المقذوف في الفراغ. دعوني أعترف، أيضاً، أن الواقع يشعرني بضعف التوازن، أبدو فيه مثل كائن محايد، لا ينعم بأي إحساس بالوجود».

يصف نفسه بالكائن المؤجّل فيوضح: «باختصار، كانت وما تزال تظهر عليّ، بوضوح، علامات الكائن المؤجّل، أقصد الشخص الذي لا يفعل شيئاً سوى الانتظار حتّى يصل وقت رقاده، فيبدأ حياته الأخرى».

حياتان

بخبرةِ العارف، وقلق السائل، وبسرعة بديهة المصوّرِ، ومخيالِ الكاتب، يمنحُنا زهير كريم مجموعةً من القصص تمتدُّ على عشرةِ قصصٍ موزّعةٍ في مئة وأربع صفحاتٍ من القطع الوسط، يسلّط فيها الضوء على حياتين متوازيتين يعيشهما اللاجئُ حيثُ يقيم، إحداهما حياة واقعية مُعاشة، والأخرى حياةٌ «حُلميّة» كما أسماها. في الأخيرة تستيقظُ كائناتُ الحروب، تفاصيلُها وصورُها وآثارُها على الشخصية، ما يجعلُ الاضطرابَ بين قديمِ اللاجئ وحديثِهِ يسبغ حياتهُ أبداً.

«ماكنة كبيرة تدهس المارة» مجموعة قصصية تسلطُ الضوء إبداعياً على أسئلةٍ لا تبدأ ولا تنتهي، وقد صدرت ضمن مجموعة المتوسط المسماة «براءات»، وهي خاصة بالشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، أطلقتها المتوسط احتفاء بهذه الأجناس الأدبية.

back to top