ليس كشيء من الحياة

نشر في 25-01-2017
آخر تحديث 25-01-2017 | 00:00
 طالب الرفاعي نعيش حالمين بالسعادة، حتى دون أن نقف أمام كنه ومفردات تلك السعادة. بعضٌ كبير يراها في الغنى.

وبعض آخر في الوصول إلى الشخص الذي يعشق، أو المركز والوظيفة والجاه، أو خِلفة الأبناء. لكن، هناك من يرى السعادة ويتمناها في نيل تاج الصحة، وخاصة أولئك الذين عانوا قسوة ومنفى المرض.

ومؤكد أن جمعاً من البشر حول المعمورة يتأمل الحياة، فيطمح إلى راحة البال وطمأنينة القلب.

الجميع يتمنى السعادة ويلهث خلفها، بعيداً عن الحزن، حتى دون أن يقف على كنه ومفردات ذلك الحزن. الحزن يمثل الوجه الآخر للحظة الحياة العابرة.

ومؤكد أنه وبدرجات متفاوتة يشكل حضوراً كبيراً في حياتنا وأكبر بكثير من لحظات الفرح الراعشة. لكن، بين السعادة والحزن، بين اللحظة العابرة واللحظة الأمنية، يغفل جمع كبير من البشر عن أن الحياة هي المنحة الأجمل والأهم. وكون الإنسان عائشاً، فذاك شيء أكبر من كل شيء. وأن لحظة تنطفئ أنفاس الإنسان، وتغادره روحه إلى غير رجعة. في تلك اللحظة، لحظة يغيب عن دنيا الحياة. لا يعود لأي شيء معنى، ولحظتها تستوي الحياة بالعدم.

لحظة الهدوء الخالص أو اللحظة الفارغة، هي اللحظة التي يؤلمنا تمددها على لحظات أعمارنا العابرة.

نتمنى أن تكون جميع اللحظات مليئة بالحياة والضجيج والضحكات. دون أن ندرك أن هذه التمني هو التعاسة بعينها. فالإنسان يعيش لحظة الزمن مرة واحدة، وهذه اللحظة تمر طازجة نائية متمنعة غير آبهة لأي شيء إلا لنفسها. لحظة الزمن العابر، وبقدر التصاقها بنا، هي بعيدة كل البعد عنا. لحظة محايدة تمر علينا بلبوسها ولون ضيائها دون أن تنظر إلينا أو تتأثر بما نعيشه ونعانيه. هي لحظة الزمن الدائر، تسلك طريقها دون أن تلتفت لنفسية أحد، ولن يؤثر بها حدث مهما صغر أو كبر.

إن أجمل ما يمكن أن تتوافر عليه تجربة حياة الإنسان هو قدرتها على أن تمده بوعي يمكنه من فهم العيش الذي يحيا، ويجعله أكثر قدرة على التأقلم معه.

متى ما أدرك الإنسان وتشبع بفكرة زواله، لحظتها فقط يستطيع أن يثمّن معنى وجوده، ويتلمس خطوته على درب السعادة. فحين يشعر الإنسان بالجوع يعرف قيمة الغذاء، وحين يدرك أن وجوده هو الأثمن لحظتها فقط يعرف قيمة عيشه وحياته. وأن السعادة كل السعادة في عيش اللحظة ومحاولة التأقلم مع ضيائها وحتى ظلمتها.

عظماء البشرية صنعوا معنى للحياة عبر معاناتهم وأوجاعهم، بدءا من الأنبياء بتجاربهم البشرية الخاصة، مرورا بالفلاسفة والعلماء، وانتهاء عند الأدباء والفنانين.

مأزق الحياة أن أعمارنا تكتمل لحظة تنتهي، وأن الموت يسير مجاورا للحياة، وأن كل يوم هو زيادة في النقصان، وأن آخر النقصان فناء.

لذا علينا أن نحيا ونستمتع باللحظة الزمنية العابرة مهما كان لونها، وأياً كان مذاقها. وربما كان عيش اللحظة ببال هادئ ونفس مطمئنة أجمل ما يمكن أن يكون عليه هذا العيش.

التمني جزء من تفكير الإنسان، وهو حافز الإنسان الأكبر لملاقاة وعيش اللحظة القادمة. لكن على هذا التمني ألا يشغل الحيز الأكبر من تفكير الإنسان. وعليه ألا يفسد الحياة. فمتى تحول هذا التمني إلى هاجس بحد سكين، لحظتها يحيل اللحظة إلى وجع مستقر. البعض يعيش لحظته نادماً على ما انقضى، أو محترقاً على ما لم يأتِ. وفي كلتا الحالتين يفرّط في لحظة عيشه دون مقابل. فلا الندم يعيد شيئاً، ولا التحرق سيأتي بما لم يأتِ.

عيش الحياة هو هبة الله الأكبر للإنسان. ومتى أدرك الإنسان ذلك، أدرك قيمة كنزه الأجمل.

back to top