الروس والأسد... والمرحلة الجديدة!
للمرة الأولى، منذ تدخلهم العسكري في سورية، في سبتمبر عام 2015، يوجه الروس تحذيراً علنياً، بصيغة التوبيخ، إلى نظام بشار الأسد لقيام قواته بـ"انتهاكات دورية... من حين إلى آخر" لوقف إطلاق النار، إذ نقلت وكالة "ريا نوفوستي" الروسية عن مسؤول في قاعدة "حميميم"، وصفته بأنه رفيع المستوى قوله: "إن مركز المصالحات الروسي أشار بحزم لقيادة القوات الحكومية السورية بضرورة التزام قادة محددين من هذه القوات باتفاق وقف إطلاق النار"، الذي جرى توقيعه في أنقرة برعاية روسية- تركية في التاسع والعشرين من ديسمبر الماضي.وفي ذات الاتجاه، فإن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كان قد أطلق تصريحاً، حمّال أوجه، عشية انعقاد مؤتمر "أستانة" في كازاخستان، قال فيه: "إن النظام السوري كان على وشك السقوط خلال أسبوعين أو ثلاثة لولا تدخل القوات الروسية"، والمقصود هنا أن هذا المسؤول الروسي، الذي بقي يلعب دور الـ"مايسترو" الرئيسي والأساسي منذ انفجار الأزمة السورية إلى الآن، أراد أن يُفهِم الأسد أن مصيره بيد فلاديمير بوتين وروسيا الاتحادية، وأن عليه أن يكون منضبطاً ويكف عن المزايدات الكلامية والألاعيب العسكرية.
وهذا يعني، كما اتضح أيضاً في مؤتمر "أستانة"، أن الروس لم يعد بإمكانهم تحمل "دلع" الأسد ونظامه، وأن القرار بالنسبة للأزمة السورية هو قرار فلاديمير بوتين وموسكو، لا قرار الأسد ولا قرار دمشق، وكان هذا واضحاً ومفهوماً منذ البدايات، لكن مقتضيات الفترة الماضية، قبل أن يكون هناك هذا التفاهم الروسي- التركي على حل هذه الأزمة بدءاً من العاصمة الكازاخية، جعلت روسيا تتحلى بالمزيد من طول البال، وتحمُّل العديد من "شطحات" نظام دمشق ومزايداته والتغني بالكثير من انتصاراته الوهمية.الآن اختلفت الأمور، فهناك وقف لإطلاق النار كبداية لعملية سياسية على أساس "جنيف 1" والمرحلة الانتقالية، وأيضاً هناك مقابل مسؤولية تركيا عن ضبط المعارضة السورية بكل فصائلها "المعتدلة" مسؤولية روسيا عن ضبط نظام الأسد وأولياء نعمته الإيرانيين، وهذا قد يستدعي استخدام القوة الزاجرة، إذا تطلبت مستجدات الأمور ذلك، وإذا حاول هذا النظام وحلفاؤه فرض أجندتهم الخاصة على الأطراف الأخرى.وهكذا فقد كان على هذا النظام البائس، الذي بات العالم كله يعرف أن مقاليد الأمور في سورية ليست في يده، بل في أيدي الروس والإيرانيين، أن يدرك أن العلاقات بين الدول علاقات مصالح لا علاقات فقراء معوزين بجمعيات خيرية، وأن التدخل العسكري الروسي في هذا البلد، الذي من سوء طالعه أن حُكْمَه بعد سلسلة طويلة من الانقلابات العسكرية قد انتهى إلى بشار الأسد، كان من أجل مصلحة محددة عنوانها قاعدة حميميم، وتوسيع قاعدة طرطوس، والوجود العسكري على شواطئ المتوسط الشرقية، وأخْذ روسيا مكانتها في هذه المنطقة الاستراتيجية كدولة عظمى، بوضع كوضع الاتحاد السوفياتي عندما كان في ذروة تألقه... ولذلك فإن على رئيس النظام السوري أن يصمت، وأن يلتزم بكل ما يُملى عليه... وأن ينتظر لحظة رحيله النهائي، وهي لحظة يبدو أنها باتت قريبة.