من حكايات "ألف نيلة ونيلة" قالت شهرزاد مرة لمولاها شهريار: كان يا ما كان في قديم الزمان، كان هناك رب عائلة اسمه "بو كوت"، رزقه الله بالعديد من الأبناء، بنين وبنات، وكانت دلوعة بناته وأقربهن لقلبه تدعى "رياضة"، ولأنها مدللة أبيها وتفاحة قلبه فقد تكفل "بو كوت" بكل مصاريفها، عاشت "رياضة" المصون محفولة بالدينار ومكفولة بالدراهم من فرش الدار إلى عرش البطولات، ومن مسمار الرواتب إلى صاروخ المنشآت.

واستمرت الحال هكذا طوال سنوات مديدة، "بو كوت" يصرف وما يقصر وإنجازات دلوعته "رياضة" ممنوعة من الصرف على سطور المحافل الدولية، صبر "بو كوت" طويلا كاظماً غيظه، وهو يشاهد بنات خلق الله يقطفن أجمل زهور بساتين المحافل، كالبنت "كالتشيو" كريمة الخالة إيطاليا، التي زينت فريج الرومان بشتى أنواع الزهور: أوركيد أوروبا الجميل وجوري السبورت الفاخر وكالينت "لا ليغا" بنت الحاجة إسبانيا التي شبت عن طوق مصاريف أمها كلياً، واعتمدت على نفسها، بل أصبحت تصرف على والدتها أيضا، وغيرهن من بنات العالمين.

Ad

"ما لكم بالطويلة" لم يعترض "بو كوت"، ورضي بالمقسوم إلى أن أتى يوم من الأيام أراد فيه أن يفصل لابنته "رياضة" ثوبا جديدا يواكب الموضة العالمية الجديدة، ويبتعد بها عن موضة "طمام المرحوم" تلك "الطمطمة" التي لم تسمن كؤوسها ولم تغن ميدالياتها من جوع، ورغم أن الثوب الجديد خامه وتفصاله من كيس الأب كانت صدمته كبيرة جداً عندما ركبت البنت رياضة رأسها وحلفت ألا تلبسه، متمسكة بثوبها القديم الخلق والمرقع.

حاول بو كوت مرارا وتكرارا إقناع ابنته، ويا بنت الأجواد، يا بنت الحلال اسمعي الكلام، ولكنها قالت لا وألف لا، وركبها ألف شيطان، بل ذهبت شاكية إلى خالاتها "فيفا" و"أولمبيا" لتشتكي أباها هناك، ولم تخيب الخالات ظنها طبعا وقلن لها: "ما عليك منه ومن سيادته والله ليوقف عند حده ويّا ثوبه الجديد ويسمع كلامك غصب، ومن اليوم ما لك شغل بالمحافل وقطف الزهور إلا بالثوب اللي يعجبك".

سمع الأب هذرة الخالات فغلبه الأسى حينما أوصدت أبواب المحافل الدولية في وجهه، فجمع أولاده حوله ليستشيرهم، وتجمع الأولاد وسمعوا قول والدهم "بو كوت" وبعدها تحدث أكبرهم "تاريخ" قائلاً: يا والدي نحن عائلة لم نخضع للدبابة يوم الخميس الأسود، ولن تخضعنا اليوم "طمباخية"، فلا عليك وما دام رأس "سيادتك" يشم الهواء فلا تحزن ولا تبتئس، ثم أنشدت أخته "وطنية" بعده:

"لا يسلم الوطن العزيز من الأذىحتى يراق على جوانبه الدمل"

رايتك بيضاء يا والدي، ولا يهمك الدمامل التي تفيض بعد كرمك قيحاً، سعد "بو كوت" بكلام ولديه ولكن مع الأسف قطعت حبل سعادته سكاكين ضوضاء رفعها بعض أحفاده من أبناء ولده الثالث "برلمان"، حيث تشابكوا مع ابنته الثالثة "حكومة" وولدها "وزير"، والتي حاولت رد الدعاوى بدورها، وتمتمت قائلة: يا أولاد برلمان ما يحتاجه بيت السيادة يحرم على جامع السياسة، ولا يجوز أن تصرف أختنا "رياضة" من كيس والدنا بو كوت، ثم تعايده بالإيقاف، احشموا سيادة والدنا على الأقل! فيرد أحقاد البرلمان غاضبين: إلا عمتنا "رياضة" يا عمة التنفيذية وموعدنا صبح المنصات أليس صبح الاستجواب بقريب؟! تزايدت الضوضاء وثار غبار الخلاف وحمي وطيس التلاسن حتى صاح الديك وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح.

"وتوتة توتة خلصت الحدوتة".