مَنْ ثالثُكم؟
لن تُكمل الحياة دورتها في عمر أي إنسان إلا كمثلث: هو، وقلبه، وثالث يكملهما!هو وقلبه مهما اكتملا فلابد لهما من ثالث يكمل دروة الحياة الإنسانية في أي إنسان. إن الحياة تفرض ذلك على كل منّا سواء برضا منا أو رغم إحساس بعضنا بالاكتفاء، وتجبرنا على أن نختار شريكاً لنا من خارجنا لنبلغ فيها "سن الرشد"، فهي لن تأخذ شهاداتنا واعترافاتنا التي نكتبها بخط أيدينا عنها على محمل الجد، ولن تنظر لآرائنا فيها بعين الاحترام، ما لم يكن لكل منا ثالث يكمله، فهذا الثالث الذي نختاره قد يكون إنساناً أو أي شيء آخر! فبعضنا ثالثهم إبليسهم!
إن اختيار الثالث الذي يشاركنا أعمارنا إنساناً كان أو مبدأ، صفة سواء كانت حسنة أو سيئة، هو الذي يُكمل رسم ملامحنا، ويحدد خريطة الطريق لمسار حياتنا، فالذين اختاروا على سبيل المثال أن يكون ثالثهم المال كانت الدناءة على مسافة رفة جفن منهم، والذين اختاروا القوة تربص بخطواتهم الطغيان، والذين اختاروا شريكاً لهم إنساناً ما -أي إنسان- غامروا كثيراً بحياتهم واختصروها أكثر مما يجب، فسقطت لدى بعضهم كثير من معاني الحياة وجمالها لدى سقوط الإنسان الذي اختاروه ثالثاً يكملهم، ودفعوا فاتورة باهظة الثمن لاختيارهم هذا، واكتشفوا حجم خسارتهم بعد مفاجأتهم بالإفلاس، البعض يختار شريكاً له من خارج دائرة الإنسان، لأنه يعي أن امتلاكه لآخر أيضاً عبودية له بوجه آخر، أما الذين أغلقوا كل ثقب فيهم حتى لا يتسلل منها أحد واكتفوا بذواتهم فقد كتبوا أسماءهم بالخط العريض في قائمة "أعداء الحياة". إن الحياة تجبرنا على أن نكتمل بشيء منها غيرنا، لتمنحنا تأشيرة السفر فيها، مقيم آخر فيها يزكينا لديها، ويتعهد بأن يرافقنا طوال إقامتنا فيها، لذا من الهُدى أن نختار ثالثنا بعناية، فلكل شريك ثالث نختاره "فاتورته" التي ندفعها من حياتنا، فليكن ثالثاً يستحق ما ندفعه، ثالث يجمعنا بقلوبنا ولا يفرقنا عنها، ثالثٌ يجعل قلوبنا ترشدنا لما نحب ويقودها لما يجعلها جنائن ورد، ثالث لا يفرض على قلوبنا ما تكره، ولا يجبرنا على الخضوع لها في حب من أو ما لا نريد، ثالث يترك مساحة تسمح لأقدام أحلامنا أن تمدد أرجلها، ويساهم بتأهلينا لنيل البطاقة الذهبية في نادي الحياة! لعبة الحياة تتلخص بتآلفك مع آخر، وبرغم ما تبدو عليه من سهولة، فإنها التعقيد وشديدة الخطورة لدرجة الكارثية، فهذا الثالث الذي نختاره لدخول هذه اللعبة ليس سوى المرحلة الأولى منها، من هنا فقط تبدأ مسيرة الحياة، وإن الفشل في اختيار هذا الثالث في مرحلة اللعب الأولى غالباً ما يؤدي إلى إخفاقات متتالية في مسلسل الحياة لا تكاد تنتهي، وقليل من قاوم طويلاً فخ هذا الإخفاق أو نجح في الإفلات منه، فالذين ظنوا أن المرحلة الأولى سهل قفزها، والوصول إلى ما بعدها في رحلة الحياة بُيسر، واختاروا ثالثهم كيفما اتفق هزأت بهم الحياة ومازالت!