مع إتمام الأسبوع الثالث لتنفيذ اتفاق منتجي النفط من داخل «أوبك» وخارجها لخفض ما يوازي 1.8 مليون برميل يوميا من الإنتاج العالمي من البترول تتزايد التحديات أمام المنتجين في المحافظة على استقرار الأسعار ومستويات الالتزام بحدود الإنتاج الجديدة لدول لم يعرف لدى أغلبيتها جدية الالتزام بالحصص الأساسية في أوضاع سوق أفضل من الأوضاع الحالية.

ورغم ترحيب معظم الدول المنضوية تحت سقف اتفاق خفض الانتاج بالالتزام العالي في الحصص الجديدة؛ فإن سوق النفط لا يزال يتعامل مع الاتفاق على انه استثنائي وغير مكرر، خصوصا بعد ان استبعدت السعودية على لسان وزير نفطها خالد الفالح تمديد اتفاق «أوبك» مع المنتجين المستقلين بعد 6 أشهر، وبالتالي فإن السوق سيتعاطى خلال الأشهر الاخيرة المصاحبة لدخول فصل الصيف على اساس معطيات نهاية عمر الاتفاق، مما سينتج عنه عودة الأوضاع الهشة في السوق التي أنتجت مزيدا من حرب الاسعار لتسويق الكميات الفائضة وما يرتبط بذلك من فوائض المعروض عالميا وتشكيل مزيد من الضغط على موازنات الدول المنتجة، لا سيما الخليجية منها.

Ad

منصات الحفر

ولعل الالتزام بالاتفاق أو حتى تمديده يعتبر أقل التحديات التي تواجه اتفاق المنتجين، فالنمو في اسعار النفط العالمية وتجاوز برميل برنت مستوى 55 دولارا للبرميل والخام الأميركي 53 دولارا للبرميل شجع على نمو عمليات الاستكشاف والحفر لإنتاج مزيد من النفط تحديدا في الولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال زادت شركات الطاقة الأميركية عدد منصات الحفر النفطية بأكبر وتيرة في نحو أربع سنوات بـ 29 منصة حفر جديدة؛ ليرتفع إجمالي عدد المنصات إلى 551 منصة، مع العلم أن عدد منصات الحفر النفطية تراجع من مستوى تاريخي بلغ 1609 منصات في أكتوبر 2014 إلى أدنى مستوياته في 6 سنوات عند 316 منصة مطلع مايو الماضي.

بروز «الصخري»

ومع ذكر منصات الحفر يتجدد الحديث عن إنتاج النفط الصخري كون شركاته خارج أي اتفاق لمنظمة اوبك او خارجها، وكلما ارتفعت الاسعار خصوصا فوق مستوى الـ 50 دولارا زادت فرص الانتاج لشركات النفط غير التقليدي التي تعاني أصلا تراجع العوائد والإيرادات خلال الفترة الماضية، الا انها ايضا تتمتع بمرونة غير متوافرة للدول من جهة قدرتها على التحول السريع في اتجاه اعادة ورفع الانتاج وتحقيق الارباح لمساهميها، فضلا عن ان منظمة الطاقة الدولية تحدثت في اكثر من مناسبة عن ان شركات النفط الصخري تمكنت خلال العامين الماضيين من تطوير تقنيات جديدة لخفض كلفة الإنتاج إلى مستويات 40 دولاراً للبرميل في العديد من حقول انتاج النفط الصخري.

توقعات النمو

خفض إنتاج النفط يصطدم بتوقعات صندوق النقد الدولي بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، لا سيما في اميركا ومنطقة اليورو والصين، إضافة إلى أن أثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيقلل من ثقة المستثمرين ويرفع من حالة عدم اليقين في اوروبا، فضلا عن خفض الصين اعتمادها على الاستثمار والصناعة مقابل زيادة الاستهلاك والخدمات، وهي سياسة من المتوقع أن تخفض النمو في الأجل القصير على الأقل، كما تشير التنبؤات إلى أن نمو اقتصاد الصين، ثاني أكبر اقتصادات العالم، سيصل إلى 6.6 في المئة هذا العام و6.2 في المئة في 2017، منخفضا من معدل نمو بلغ 6.9 في المئة العام الماضي.

أزمة ثقة

العلة في التعاطي بين منتجي النفط داخل المنظمة أو خارجها تتمثل في ازمة الثقة بين المنتجين، فضلا عن تنامي «الحسابات السياسية» خارج إطار توازن السوق والمحافظة على مستويات مقبولة للأسعار، ولعل سوق النفط عانى كثيرا خلال 32 شهرا من هذه العوامل «النفسية» التي اهدرت فرصا كثيرة من الاتفاق على خفض سريع للانفاق او حتى تثبيته منذ يونيو 2014. وحتى اجتماعات الدوحة في يناير وفبراير 2016 واجتماع أوبك الدوري في يونيو الماضي سادت فيها احتمالات سوء النوايا بين المنتجين، مما يشير الى ان الالتزام باتفاق لمدة شهر واحد قد لا يعطي مؤشراً راسخاً على جدية الالتزام وجودة الاتفاق.

فالهدف من خفض الانتاج النفطي ليس العودة الى مستويات الـ100 دولار للبرميل، فهذا أمر غير متداول في السوق أصلا، وفقا للعوامل الحالية، فضلا عن أن اي زيادة قوية في الاسعار لن تستمر طويلا في ظل عوامل سوق ضعيفة، الا ان الهدف الذي يجب ان يحققه منتجو النفط يجب ان يرتكز على خلق توازن في الاسواق بما لا يضر الاقتصاد العالمي، ويوفر عوائد معقولة للدول المنتجة، مع التأكيد على ضرورة إعادة هيكلة الاقتصاديات خصوصا الخليجية، بما يتلافى أي هزة محتملة في سوق النفط.