إن العادات والتقاليد قيم وسلوك اجتماعي للأفراد والجماعات تتكيف تراثيا مع البيئة الاجتماعية، وهي ليست جزءا من الدين بل يؤثر فيها الدين، وخلال مراحل التاريخ كانت للعادات والتقاليد أهمية في حياة الناس، لا بل مستغلة من السلطتين الدينية والسياسية، وكلتاهما لها مصلحة في ذلك، حيث تستخدم العادات والتقاليد لتبرير ثقافة وسلوك عدد من رجال الدين والجماعات الدينية، وقد كان ذلك سائدا في أوروبا العصور الوسطى، وهي اليوم في عالمنا العربي والإسلامي.

إن لدى بعض رجال الدين والجماعات الدينية مرجعية فيما يقولون ويفعلون من العادات والتقاليد، حتى لو تعارضت مع روح الدين، فالمرأة تعامل في حقوقها ولبسها وعملها حسب العادات والتقاليد، وفي عرف أولئك على المجتمع أن يسير حسب تلك العادات والتقاليد حتى لو أدت إلى كسر القانون لأنه قانون وضعي لا ديني، ويتجاهلون أنهم في دولة مدنية، ويتصرفون وكأنهم في دولة دينية، فيتحدثون باسم الدين في أي مشكلة حتى لو تعارض رأيهم مع صلب الدين تحت حجة مراعاة العادات والتقاليد في المجتمع، مثل الاختلاط في الجامعات حرام، ولبس المرأة مخالف للعادات والتقاليد.

Ad

وقد تم جلد امرأة في دولة عربية إسلامية لأن ملابسها لا تتماشى مع العادات والتقاليد، وقد سجنت امرأة في دولة عربية إسلامية لأنها قادت سيارتها والعادات والتقاليد لا تبيح ذلك، فلا علاقة لذلك بالدين ومن أعطى السلطة الدينية الحق في فرض العادات والتقاليد، وهي متغيرة والدين ثابت؟ إنها سلطة أحادية لا تؤمن بالتنوع والتعددية والحرية ولا حتى الفهم الصحيح للتعاليم الدينية.

إن طبيعة الحياة هي التنوع والتعدد الثقافي، والحرية في إطار القانون المدني، وهذا لمصلحة الدين، لكن المشكلة في أن الحالة تتطلب حركة إصلاح وتنوير إسلامية.

وعند مراجعة كثير من الممنوعات في مجتمعاتنا العربية لا نجد أساسا في الدين لكثير من القيم العادات والتقاليد التي يتمترس وراءها أولئك الناس باسم الدين، والمشكلة تكمن في الفتاوى الفردية التي يصدرها بعض رجال الدين، وبعضهم طلبة لم يملكوا القدرة على فهم الدين، وقد حدث مرة أن مسكت طالبا يغش في الامتحان، وقلت له إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال "من غشنا فليس منا" واتخذنا الإجراء بحقه، بعدها جاء ليقول إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقصد الغش بالكيل لأنه في عهده لم تكن هناك جامعات وامتحانات!

لابد من وقفة أمام استخدام العادات والتقاليد دينيا، ومهما حدث التطور في تلك العادات والتقاليد فإن بعض قيمها وسلوكها متجذر في الوضع الاجتماعي يبحث عنها أولئك ليستغلوها لأغراض مصلحية والمصالح متنوعة، والوقفة تكون من المستنيرين دينيا ومن الليبراليين الذين يؤمنون بالحرية والقانون وموقفهم إيجابي من حرية المعتقد والتدين. لا بد من وضع حد للإفتاء الفردي تحت مظلة العادات والتقاليد، وذلك بغرس فهم صحيح الدين، وأن الإفتاء يجب أن يكون مؤسسيا لا فرديا. والأساس أن الدين بمبادئه وقيمه ونصوصه المقدسة ثابت، وأن العادات والتقاليد لأي مجتمع متغيرة حسب تطور تلك المجتمعات في مراحل تاريخها، وقد يكون الممنوع أو الحرام حسب التقاليد اليوم ليس كذلك في المستقبل.

يجب أن نعيش عصر الاعتدال والوسطية الحقيقية والتسامح والإيمان بالتعددية واحترام الآخر، وإن كثيرا من المسلمات التي نطرحها اليوم كان ينبغي حسمها منذ مدة طويلة نعود لها، لأن بعض مسلمي العادات والتقاليد يعيدون طرحها بطريق مباشر أو غير مباشر، بيد أن حالة التراجع الثقافي والقيمي تفرض علينا العودة كذلك لإبداء رأينا، فبالقدر الذي يتقدم فيه العالم المتقدم يتراجع لدينا التنوير، فالأمر يحتاج إلى انتفاضة ثقافية نوعية وحقيقية.