منذ لحظة دخول دونالد ترامب السباق الرئاسي الأميركي، ارتُكبت مجموعة غير مسبوقة من الانتهاكات الأخلاقية، النابعة من مصالحه التجارية الدولية، كانت عبارة عن قنبلة موقوتة مُعدة للانفجار في 20 يناير عام 2017. لقد انفجرت.

شهدت الكثير من الديمقراطيات الليبرالية الأخرى عناصر من القيادة الاستبدادية، بما في ذلك المحسوبية، وقيود على حرية التعبير وحرية الصحافة، والسياسات التمييزية بشكل علني، واستغلال المنصب العمومي لتحقيق مكاسب شخصية، لكن غالبا ما تجنبت الولايات المتحدة هذه الكمائن، ويرجع الفضل في ذلك أساسا إلى نظام الولاية المحدودة في الزمن ونظام الضوابط والتوازنات الموثوق به.

Ad

تم جاء ترامب، نظراً لموقف الرئيس القوي، ليس هناك أي قائد فعال- في الحكومة أو في قطاع الأعمال، أو في أي منصب آخر- ينتقد الموظفين الجدد علنا ويهاجم في الرد على أي كان وعلى كل انتقاد بهذا الشكل؛ كما يسخر من الشخصيات العامة المحترمة؛ أو يرفض التعرف على القضايا التي سيكون عليه معالجتها. ترامب فعل كل هذا وأكثر.

بعث الفريق الانتقالي التابع لترامب استطلاعات لوزارة الطاقة الأميركية، بحثا عن أسماء الموظفين الذين عملوا على سياسة تغير المناخ، وقد عرض على صهره جاريد كوشنر دوراً رئيسا في البيت الأبيض، ورفض باستمرار الإفادات الاستخباراتية، ونبذ مخاوف أجهزة الاستخبارات حول التدخل الروسي في الانتخابات، وذهب إلى حد تشبيه نشر تلك المعلومات بحقبة ألمانيا النازية.

وبطبيعة الحال، فإن عدم ثقة ترامب بالخبراء ليست مسألة فريدة من نوعها في الوقت الحاضر، لكن استخدام عثرات وشكوك الخبراء لتبرير تجاهل الحقائق دليل على أنه غير مسؤول، لكن بالنسبة إلى الرئيس الأميركي- شخص مكلف بخدمة وحماية الناس في جميع أنحاء العالم- فهذا أمر خطير للغاية.

ومما يزيد من حدة الخطر استغلال الرئيس للشكوك حول الحقائق لمعالجة التصورات وخلق مساحة لسلوكه غير الأخلاقي، وقد ادعى ترامب أنه سيقوم بتحرير نفسه من أعماله لتجنب تضارب المصالح، في حين لم يقدم أي خطة ذات مصداقية للقيام بذلك.

ويتفق فريق ترامب على قليل من الأشياء باستثناء إصراره على مفهوم أنت قوي إذاً أنت على حق، وردا على سؤال حول سلوك ترامب، أجاب كيليان كونواي، مدير حملة ترامب والآن مستشار البيت الأبيض: "إنه الرئيس المنتخب، هذا سلوك رئاسي". وقد أجاب ترامب نفسه عن أسئلة حول خطاب حملته بكلمة بسيطة "لقد فزت".ويبدو أن الجمهوريين في الكونغرس يتفقون مع هذا النهج السلبي، إن تجمع الحزب في مجلس النواب جعل منه محور عملهم في محاولة لتأسيس لجنة أخلاق مستقلة أنشئت في أعقاب الفضائح التي حدثت قبل عقد من الزمن. وكانت ردة الفعل سريعة، وكان عليهم أن يتراجعوا، لكنهم قد يعيدون المحاولة مرة أخرى: وانتقد ترامب توقيت هذه الخطوة فقط، وادعى أن لجنة الأخلاق "غير عادلة".

لم ينته الهجوم على الأخلاق عند هذا الحد، فقد أصر الجمهوريون في مجلس الشيوخ على جلسات التأكيد لاختيارات مجلس وزراء ترامب، على الرغم من عدم إجراء التدقيق السليم والكشوفات المالية حتى الآن. وقد بُذلت جهود كبيرة لمكافحة- أو على الأقل لتسليط الضوء على- الانتهاكات الأخلاقية التي اقترفها ترامب وفريقه، كما تحدث والتر شوب، مدير المكتب المستقل لأخلاقيات الحكومة، الذي أنشئ بعد ووترغيت، عن هذا الموضوع. (رئيس موظفي ترامب استجاب مع تهديد خفي، محذرا المدير بأن "يتوخى الحذر"). لقد خلق مركز واشنطن فريقا جديدا خاصا لتغطية تضارب المصالح داخل حكومة ترامب وانتهاكات محتملة لمادة المكافآت في دستور الولايات المتحدة، الذي يمنع أي شخص يتولى منصبا عاما من قبول أموال أو هدايا من المسؤولين الأجانب. لكن حتى الآن، يبدو أن ترامب ومساعديه ملتزمون بمواصلة السير في مسارهم الحالي، وهو النهج الذي يضعف بالفعل السلطة الأخلاقية للولايات المتحدة، في حين أن العديد من زعماء العالم قلقون بشأن سلوك ترامب، والبعض الآخر ربما يفكرون أن لديهم الآن إذناً ضمنياً لفعل الشيء نفسه، وقد يستنتج قادة الأعمال أيضا أنه بإمكانهم انتهاك القواعد الأخلاقية. لكن هذا المنطق، رغم أنه مفهوم، فهو خاطئ، فلن يبقى ترامب رئيس الولايات المتحدة إلى الأبد، وإن الحركات الشعبوية اليمينية كالتي يتزعمها ستتلاشى في النهاية، وذلك لأن قادتها غير ملتزمين بسياسات من شأنها أن تساعد ناخبيهم. على العكس من ذلك يتخذ ترامب والجمهوريين في الكونغرس إجراءات سريعة لتفكيك قانون الرعاية الصحية المتاح- سياسة الرعاية الصحية للرئيس باراك أوباما- مدعيا أن البديل غير المحدد حتى الآن سيحافظ على العناصر الشعبية فيه، وسيسقط تلك التي لا تحظى بشعبية. في الواقع سيكون هذا مستحيلا.

وستُلقى المسؤولية على أولئك الذين يستفيدون من الشرود الأخلاقي الحالي لتحقيق مكاسب شخصية أو لتحقيق مآربهم عندما يستقيم الجدول السياسي، كذلك بالنسبة إلى أولئك الذين، لم يستفيدوا من هذا السلوك اللا أخلاقي، لكن فتحوا الأبواب للآخرين، من خلال فشلهم في الدفاع عن المعايير الأخلاقية.

يجب على السياسيين ورجال الأعمال الآن أن يقرروا ما إذا كانوا يريدون أن يُطلق عليهم اسم الانتهازيين والمساعدين أو اسم قادة حقيقيين، متمسكين بأخلاقيات ومبادئ تبنوها علنا. لقد قدم الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا، الذي ركز على "قيادة مسؤولة ومتجاوبة"، قدم فرصة مبكرة لرسم خط في الرمال، وفي المستقبل سيكون أولئك الذين بقوا على الجانب الصحيح سعداء بقيامهم بذلك.

لوسي ماركوس | Lucy P. Marcus

* الرئيسة التنفيذية لشركة ماركوس الاستثمارية للاستشارات.

«بروجيكت سنديكيت، 2017"» بالاتفاق مع «الجريدة»