بعد الإعلان عن قائمة الأفلام التي وقع عليها الاختيار للمنافسة على جوائز مهرجان «جمعية الفيلم» السنوي الثالث والأربعين للسينما المصرية، الذي يُقام في الفترة من 28 يناير حتى 4 فبراير، سألني المنتج الفني لفيلم «البر التاني» مستنكراً: «كيف لفيلم مثّل مصر في مهرجان دولي كبير، كالقاهرة السينمائي، أن يُستبعد من المشاركة في مهرجان {جمعية الفيلم؟». استوجب ذلك مني القول إن «جمعية الفيلم» تملك نظاماً فريداً، وربما غير مسبوق في مهرجاناتنا السينمائية العربية، يتيح لأعضاء الجمعية الأهلية الأقدم في مصر لنشر الثقافة السينمائية (تأسست عام 1960)، بالإضافة إلى النقاد ورجال صناعة السينما المصرية، المشاركة في استفتاء علني لاختيار سبعة أفلام من بين الأفلام التي عُرضت تجارياً في العام المنصرم، فضلاً عن بعض العناصر الفنية، كالتمثيل والتصوير والديكور والمونتاج والماكياج، التي تنافس في الفرع المتميز الخاص بها. في ظل هذا النظام المفتوح، لا تتدخل الجمعية في الاختيارات لكنها تتولى جمع الأصوات، بناء على الاستمارات التي تصل إليها، وبعد الفرز تتوصل إلى الأفلام السبعة، ومعها الفيلم الذي ينافس على الفرع المتميز، ويشاهدها الجمهور والمهتمون في عروض يومية تعقبها ندوات مع صانعي الأفلام.لهذا النظام الفريد من نوعه ضحايا بكل تأكيد، كما حدث هذا العام، مع الإعلان عن اختيار أفلام: «يوم للستات» إخراج كاملة أبو ذكري، «هيبتا» إخراج هادي الباجوري، «اشتباك» إخراج محمد دياب، «الماء والخضرة والوجه الحسن» إخراج يسري نصر الله، «من 30 سنة» إخراج عمرو عرفة، «قبل زحمة الصيف» إخراج محمد خان و{نوارة» إخراج هالة خليل، بالإضافة إلى فيلم «زي عود الكبريت» الذي ينافس ضمن الفروع المميزة على جائزة العمل الأول في الإخراج، إذ أسفر الاستفتاء عن مفاجأة كبيرة باستبعاد «لف ودوران» بطولة أحمد حلمي وإخراج خالد مرعي من السباق، رغم نجاحه في تحقيق إيرادات قياسية في شباك التذاكر قُدرت بـ 38 مليون جنيه مصري عن 80 نسخة و44 يوماً عرض، احتل بعدها قمة قائمة الأفلام الأعلى إيراداً في تاريخ السينما المصرية. كذلك أسقط الاستفتاء من الحسبان «الهرم الرابع» إخراج بيتر ميمي، الذي حقق المعادلة المطلوبة وجمع بين النجاح الجماهيري وبين الإشادة النقدية، و{البر التاني» إخراج علي إدريس الذي راح ضحية منتجه والدعاية السلبية التي واكبت عرضه في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ما أدى إلى تشويهه وكان ذلك سبباً في انصراف النقاد عنه، بل إن بعضهم تأثر بالدعاية السلبية ورفض اختياره في استفتاء مهرجان «جمعية الفيلم» من دون أن يشاهده!
هذه النقطة المتمثلة في اختيار أفلام من دون مشاهدتها هي في الحقيقة سبب أزمة المهرجان السنوي للسينما المصرية، التي تنظم «جمعية الفيلم» دورته الثالثة والأربعين نهاية هذا الشهر، تحت شعار «نحو سينما مصرية مصرية». ففي غالبية الدورات السابقة كان البعض، من أعضاء الجمعية والنقاد والسينمائيين، ينتقي من استمارة الاستفتاء، التي توفر قائمة وافية وكاملة للأفلام التي عُرضت تجارياً، عناوين الأفلام التي لم تتيسر له مشاهدتها خلال العام من دون النظر إلى جودتها أو أهليتها للمنافسة على الجوائز، وهي الثغرة التي لم تستطع إدارة المهرجان إغلاقها لكن لجنة التحكيم، التي تُعد الأكبر عدداً في تاريخ المهرجانات المصرية والعربية، وربما العالمية، حيث تصل أحياناً إلى 14 شخصية تمثل العناصر الرئيسة للصناعة (كاتب/ مخرج/ تصوير/ ديكور/ ماكياج/ صوت/ تمثيل/ نقد .. إلخ)، هي التي تقف سداً منيعاً في وجه الأفلام، التي دخلت المنافسة بطريق الخطأ، وتنجح في الحيلولة دون تسللها إلى قائمة الجوائز، وهو ما نجحت فيه طوال عهود عدة ماضية، ما أكسب «جمعية الفيلم»، ومهرجانها، وجوائزها، كثيراً من الاحترام والمصداقية والموضوعية، إذ لم يحدث مثلاً أن اتهم المهرجان بمحاباة نجم أو تملق مخرج أو مجاملة منتج، ولم نسمع يوماً أن نجمة اشترت جائزتها أو أن شركة إنتاج كبرى انتزعت جائزة لا تستحقها! في مهرجان «جمعية الفيلم» دون سواه من المهرجانات السينمائية الأخرى يمكن أن تجد جائزة لأفضل «تصميم أفيش»، وجائزة للتجديد والابتكار تحمل اسم الناقد الراحل سامي السلاموني، الذي عُرف بانحيازه الدائم إلى الشباب والتجديد، وتشهد الدورة الثالثة والأربعون أول مبادرة لتخليد اسم الباحث والمترجم والمؤرخ والناقد السينمائي أحمد الحضري، وإحياء لذكراه، بعدما قررت «جمعية الفيلم»، برئاسة مدير التصوير محمود عبد السميع، إدخال تعديل على لائحة مهرجانها السنوي يتيح للجنة التحكيم منح جائزة خاصة في «النقد السينمائي للشباب دون سن الأربعين»، وكأنها تبرهن لنا أننا في صدد «مهرجان مختلف».
توابل - سيما
«جمعية الفيلم»!
27-01-2017