لماذا غاب الفيلم الاستعراضي عن السينما المصرية؟
أثار نجاح الفيلم الأجنبي la la land شجون الجمهور المصري حول «الفيلم الاستعراضي»، فتساءل كثيرون: لماذا اختفى هذا النوع من السينما المصرية رغم أنها على مدار تاريخها الطويل تميّزت بتقديم أعمال استعراضية متميزة وناجحة؟ وهل يتعلق الأمر بطغيان الحركة والكوميديا في الفترة الأخيرة؟ «الجريدة» سألت نقاداً وفنانين.
يرجع الناقد طارق الشناوي غياب الفيلم الاستعراضي عن السينما المصرية إلى غياب المواهب الاستعراضية، خصوصاً بعد تقاعد نيللي وشيريهان، إذ لم تستطع أية فنانة ملء الفراغ، مضيفاً أن السينما صناعة وتجارة ولا بد من توافر النجمة التي تجذب الجمهور ليُقبل عليها كما حدث مع الراحلة سعاد حسني التي قدمت «خلي بالك من زوزو» و«أميرة حبي أنا»، وهما ليسا فيلمين استعراضيين بالمعنى الصحيح بل الأقرب إلى هذا النوع، ونتيجة لاسم البطلة أقبل الجمهور عليهما وحققا أرقاماً قياسية».الناقدة ماجدة خيرالله ترى أيضاً أن غياب الفيلم الاستعراضي عن السينما سببه عدم وجود فنانين لديهم القدرة على أداء هذا النوع من الفن الذي يتطلب قدرات فنية وحركية عالية لا يجيدها معظمهم بل يجهلونها من الأساس. «حتى شيريهان كانت لديها مشكلة في التمثيل رغم قدرتها الاستعراضية، كذلك نيللي أصبحت أفضل تمثيلاً بعد خبرة طويلة».وتضيف: «أشهر الأفلام الاستعراضية العالمية يُقدمها ممثلون ليسوا راقصين لأن التمثيل هو الأساس ثم القدرة على التعبير الحركي، وبالطبع هذه المفاهيم غائبة عنّا وكل ما نعرفه عن الأفلام الاستعراضية أنها أعمال غنائية أو رقص شعبي».
أفضل تجارب الأفلام الاستعراضية من وجهة نظر خيرالله «سمع هُس» لليلى علوي وشريف عرفة، «حيث حلّ الغناء والحركة محل الحوار وكانت تجربة متميزة جداً ولم تتكرر».
أزمة إنتاج
يذكر الموسيقار هاني مهنى أن الأزمة تتعلّق بالإنتاج لأن الأغنية والاستعراض الواحد يكلفان أكثر من نصف مليون جنيه، وتكلفة فيلم استعراضي تساوي تكلفة فيلمين من نوع الحركة. ويضيف أن لغياب النجمة التي بإمكانها تقديم الاستعراض دوراً في ابتعاد السينما عن هذا النوع من الأفلام، كذلك لا نجد لدينا فناناً يستطيع الغناء والتمثيل والاستعراض مثلما فعل منير مراد في تجاربه القليلة، مؤكداً أن أهم الأفلام الاستعراضية في السينما المصرية «غرام في الكرنك» و«إجازة نصف السنة» لفرقة «رضا». المنتج محمد العدل يوضح ألا مشكلة في توافر مواهب تقدّم هذا النوع من الفن، لكن الأزمة في أن السينما المصرية تُدار بمنطق الظاهرة، فعندما ينجح عمل كوميدي تتحوّل كلها إلى الكوميديا، ثم تذهب إلى الحركة عندما يحقق فيلم «أكشن» إيرادات كثيرة. يتابع: «لا يريد أحد المخاطرة، والفيلم الاستعراضي ذو تكلفة إنتاجية عالية جداً ولكن إن نُفِّذ بشكل جيد سيُحقق النجاح حتى لو أن أبطاله وجوه جديدة»، مشيراً إلى أن نجوماً ونجمات كثيرين لا يبحثون عن المختلف ويفضلون تقديم أفضل ما يُعرض عليهم من دون بذل الجهد في البحث عن شيء جديد. ويضيف أن لديه عملاً استعراضياً كبيراً لكن لم يجد من يتحمس معه لهذا المشروع.بدورها ترى الفنانة سيمون أن المواهب القادرة على تقديم الاستعراض موجودة ولم تختف، لكن الأزمة في المنتج صاحب الرؤية والقدرة على اتخاذ القرار في تقديم فن مختلف عن السائد. وتضيف: «عندما شاركت في «أيس كريم في جليم» مع عمرو دياب، كان السائد آنذاك الاعتماد على أسماء كبيرة مثل عادل إمام، فيما كان اختيار فنانين في بداية مشوارهم مثلي أنا وعمرو بمنزلة مخاطرة من المنتج. ولكن رغم ذلك حققت التجربة نجاحاً كبيراً ليبدأ بعدها الصانعون في الاستعانة بالمطربين في السينما، وصنعوا أعمالاً عدة حققت النجاح أيضاً»، مؤكدة أن الفيلم الاستعراضي سيُحقق النجاح لو صُنع بشكل متميز لأن الجمهور يفتقد هذا النوع من الأعمال.المخرج خالد الحجر
يرى المخرج خالد الحجر أن الفيلم الاستعراضي في السينما العالمية غير حاضر بكثافة، كذلك في تاريخ السينما المصرية تجد هذا النوع من الأعمال قليلاً. ويضيف أن السبب إنتاجي في المقام الأول، لا سيما أن تكلفة هذه الأفلام عالية فتخفّ حماسة المنتجين لتقديمها، فضلاً عما تستغرقه من تحضير وتصوير سنوات، ثم عرضها للجمهور الذي ربما يتقبلها أو يرفضها، و«بالطبع ثمة منتجون لا يتحملون هذه المجازفة».يتابع الحجر: «فيلم «مافيش غير كده» الذي يجنح نحو الاستعراض استغرق تحضيره خمس سنوات تخللها البحث عن منتج ثم تصميم الرقصات وتسجيل الأغاني ثم التصوير، ما يعني أن الفيلم الاستعراضي أحد أصعب أنواع السينما والتعامل معه صعب، لذا يغيب طويلاً عن هذه الصناعة».يختم: «أشير هنا إلى أن الفيلم الاستعراضي لا يحتاج إلى مطربين ولا إلى راقصين، بل إلى ممثلين لديهم القدرة على التعبير الحركي وتعلمه».