متى يتخلى العرب عن الإدانة والاستنكار؟

نشر في 28-01-2017
آخر تحديث 28-01-2017 | 00:03
 مشاري ملفي المطرقّة على مدار عقود طويلة من الزمن تتردد على مسامعنا بيانات الشجب والإدانة والاستنكار من الدول العربية والإسلامية لما يحدث لنا من مآسٍ ومصائب وما يحاك من مؤامرات، لدرجة أنك لو راجعت البيانات التي تصدر في أوقات الأزمات لوجدتها مكتوبة بصيغة متشابهة إلى حد التطابق، الأمر الذي يجعل من يعتدون علينا ويقتلون أبناءنا ويحتلون أراضينا يفعلون ذلك وهم على يقين أننا ضعفاء وعاجزون عن الرد، وآخر ما يمكن أن نفعله أن نصدر بيان إدانة واستنكار بلغة خانعة ومستسلمة.

وبيانات الإدانة والاستنكار لا تفارقنا تجاه الكثير من الأزمات والمشاكل التي تحاصرنا مثل مأساة حلب الأخيرة والمجازر والقتل والتدمير الذي يرتكب في سورية والعراق وليبيا، وما يحدث من إبادة جماعية للأقلية المسلمة في ميانمار، واستعداد الإدارة الأميركية الجديدة لنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس لتحويلها إلى عاصمة للدولة الصهيونية، والاعتراف بأن هذه المدينة الفلسطينية المحتلة يهودية، وغيرها من أحداث يتعرض لها العرب والمسلمون، ونحن كما نحن، لا نملك من الرد سوى إصدار هذه البيانات الهزيلة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

حتى في ظل محاولات تقسيم الدول العربية وتفتيتها تحت غطاء ما يسمى بثورات الربيع العربي وإنشاء ودعم الجماعات الإرهابية المتطرفة يقف العالمان العربي والاسلامي متفرجين لا حول لهما ولا قوة سوى المسارعة إلى عقد الاجتماعات الواهية لمنظمات مهترئة أكل عليها الدهر وشرب، ودائماً ما تخرج ببيانات وتوصيات بنسخ كربوينة على مدار سنوات طويلة تدين فيها وتشجب بأقصى العبارات ما يحدث لنا من انتهاكات وقتل واغتصاب لأرضنا، وفي الحقيقة فإن هذه البيانات لا تساوي ثمن الحبر الذي تكتب به.

لقد باتت الدول العربية والإسلامية على المحك وبعضها تفكك وفقد هويته وتحول إلى كيانات جغرافية وسياسية وطائفية تمزقها الحروب والصراعات الداخلية بدعم خارجي وتنفيذ داخلي من عناصر باعت ضمائرها بحفنة من الدولارات أو سعياً وراء مكاسب ومغانم سياسية زائلة، ولم تعد عبارات الاستنكار والشجب والإدانة كافية أمام المآسي التي نعيش فيها، والتي باتت تهدد وجودنا في ظل غطرسة بعض القوى الإقليمية التي تعبث بمقدرات أوطاننا وعقول شبابنا، وكذلك لم تعد هذه البيانات مجدية في ظل استفحال ظاهرة الإرهاب التي تلاحقنا من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، ولم تعد تنطلي على الشعوب التي تشعر بالذل والمهانة وقلة الحيلة، وتأمل في ردود قوية تشفي بها الغل المكتوم في الصدور.

ورغم أن دولنا تملك كل مقومات الوحدة من لغة ودين وعادات ومصاهرة فإن بعض أبنائها يغذون الانشقاقات والفرقة ويوفرون الأرضية الخصبة لكل من يحاول أن ينشر بيننا الفتن والفوضي ويدمر ويخرب أوطاننا ثم نعود نشجب وندين ونبحث عن شماعات لفشلنا، ولكن هذا يجب ألا يستمر وعلينا أن نعيد النظر في حساباتنا وسياساتنا، ونحدد هل نريد أن نكون أو لا نكون، وهل آن الأوان أن ننهض من كبوتنا ونومنا العميق الذي نغط فيه منذ عقود أم نظل كما نحن نعيش في حياة الخنوع والاستسلام مرتدين جلباب الإدانات والبيانات المعلبة والجاهزة التي نصبر بها أنفسنا مع كل أزمة تحل بنا؟

back to top