كشفت الصين في الآونة الأخيرة عن معدل نموها خلال عام 2016 الذي بلغ 6.7 في المئة، بعد أخذ معدل نموها، الذي حققته في الربع الأخير في الاعتبار، وكان ذلك المعدل قد بلغ 6.8 في المئة.

ويتوافق هذا النمو مع المستوى المستهدف للصين، الذي يتراوح بين 6.5 و7 في المئة.

Ad

لكن بعد سنوات من تحقيق نمو حتى في أحلك الظروف، يتم الترويج حالياً لأن الصين ربما تكون قد بالغت في تقدير معدلات نموها الاقتصادي، وفي ظل هذه الشكوك يتساءل مراقبو اقتصاد الصين ما إذا كان ممكناً الوثوق بتلك البيانات الرسمية؟

وعلى الرغم من أن معدلات النمو المعلنة كانت هي الأدنى منذ سنة 1990، فإن أرقام العام الماضي كانت قوية تماماً بالنسبة إلى بلد يفقد زخمه وتزداد ديونه. والمفارقة اللافتة أن معدلات النمو ازدادت من 6.7 في المئة في الربع الثالث إلى 6.8 في المئة في الربع الأخير، على الرغم من تباطؤ الاقتصاد.

ونتيجة لهذه التناقضات، اضطر مكتب الإحصاء الوطني الصيني إلى التأكيد على أن الإحصائيات المعلنة "موثوقة".

وفاقم الشك في النتائج حقيقة أن الحاكم الإقليمي في إقليم لياوننغ تشن كويفا أقر في الآونة الأخيرة بأن المعلومات تعرضت لتزييف في الفترة ما بين 2011 و 2014.

وهذه ليست المرة الأولى، التي يحدث فيها ذلك: فقد قام إقليم لياوننغ، كما في إقليمي جيلن وهيلونجنيانغ، بتغيير أرقام النمو في سنة 2015. وفي أغلب الأحيان تشير البيانات الإقليمية (الصادرة عن مسؤولين محليين يتطلعون للحصول على ترقية) إلى معدلات تزيد عن تلك، التي تصدر على المستوى القومي، التي يعلنها المكتب الوطني للإحصاء، ويوجد أيضاً بعض القلق إزاء البيانات الصادرة على المستوى القومي.

وذكر رئيس الوزراء الصيني لي كيكيانغ، أن أرقام الناتج المحلي في الصين هي من صنع الإنسان، بالتالي لا يمكن الوثوق بها بشكل مطلق. قال ذلك سنة 2007 عندما كان يشغل منصب سكرتير الحزب في إقليم لياوننغ، ودعا إلى استخدام سبل تقدير بديلة للناتج المحلي، مثل قياس معدل استهلاك الطاقة الكهربائية أو حجم البضائع المنقولة بالسكك الحديد أو حجم القروض.

وفي واقع الأمر، وعبر استخدام بيانات استهلاك الكهرباء على المستوى القومي في الصين وجد البروفسور جيرمي والاس من جامعة أوهايو أن هناك اختلافاً ضخماً بين أرقام الكهرباء "التي تراجعت بصورة دراماتيكية بنسبة 10 في المئة محسوبة على أساس سنوي"، وبين أرقام نمو الناتج المحلي الإجمالي المعلنة "التي هبطت بصورة طفيفة إلى 6.8 في المئة"، في أعقاب الأزمة العالمية سنة 2008، مما يشير إلى أن الهبوط في الناتج المحلي الإجمالي كان أكبر مما تم الإعلان عنه.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الأوضاع الآن أفضل مما كانت عليه في أواخر التسعينات من القرن الماضي عندما كان تزوير البيانات مسألة شائعة في الصين.

وبغية معرفة ما إذا كان هذا النوع من تزييف المعلومات لا يزال مستمراً عمد كارستن هولز، وهو بروفسور في العلوم والتقنية في جامعة هونغ كونغ إلى فحص دقيق لمعلومات الناتج المحلي الصيني في نشرة سنة 2014 واستعرض المؤشرات في الفترة ما بين 1979 و2011.

وتبين له عدم وجود تزوير فاضح في المعلومات على المستوى القومي، لكنه لاحظ إمكانية حدوث تلاعب عرضي في المعلومات لأغراض سياسية.

والأكثر من ذلك، توجد أسباب تدعم أرقام النمو العالية في الآونة الأخيرة في الصين، ويمكن أن ينسب ذلك إلى التوسع في أعمال البناء والبنى التحتية وتسهيلات السياسة النقدية، التي واكبها ارتفاع الائتمان.

وقد عزز الإنفاق الحكومي على البنية التحتية وتيسير السياسة النقدية الاقتصاد في جهد منسق من جانب الحكومة المركزية والحكومات المحلية بغية التعويض عن النقص في النمو، كما ازداد الاستهلاك أيضاً ما يشير الى نجاح سعي الحكومة لتحسين مشتريات العائلات.

لهذا السبب، وفيما لا يمكننا الوثوق تماماً في معدلات النمو المعلنة على المستوى الوطني، فإن الكثير منها يبدو صحيحاً. وما يستدعي الكثير من القلق هو أسباب أرقام النمو العالية – الملكية والبنية التحتية وتيسير السياسة النقدية – لأن الحفاظ على تدفقات متصاعدة للإنفاق الحكومي والإقراض ليس مستداماً في الأجل الطويل.

وأفضى ذلك في الأساس إلى تراكم الديون المعدومة وإلى زيادة في خيارات الاستثمار الخطرة.

ويوجد الكثير مما يستدعي القلق مع استمرار التباطؤ في الاقتصاد الصيني، كما أن الشك في سياسات الحماية المحتملة للرئيس الأميركي دونالد ترامب والمسار التصاعدي لمعدلات الفائدة في الولايات المتحدة يمثل أخطاراً خارجية كبيرة بالنسبة إلى الاقتصاد الصيني، فيما يشكل الانكماش في التحول إلى اقتصاد يعتمد على الخدمات وديون الشركات وهبوط فعالية السياسة النقدية والمالية أخطاراً محلية جدية. وعند هذه النقطة تظل المعلومات المتعلقة بالناتج المحلي الاجمالي في أسفل قائمة عوامل القلق.