نظريات ميدانية أضرت باقتصاد الولايات المتحدة

نشر في 28-01-2017
آخر تحديث 28-01-2017 | 00:00
صحيح أن نظرية "إيكون 101" المتعلقة بالعرض والطلب تعتبر ملائمة بالنسبة إلى بعض المنتجات، لكنها ليست كذلك تماماً بالنسبة إلى أسواق العمل، وليس بوسع هذه النظرية تفسير التأثيرات الصغيرة لزيادة الأجور وتلك المتعلقة بالمهاجرين من ذوي المهارة المتدنية.
 بلومبرغ • شعر بعض المهتمين بالقضايا الاقتصادية بالحاجة الى تأليف كتاب يتحدث عن كيفية اساءة استخدام النظريات الاقتصادية في السياسات الأميركية، وكان هذا ما قام به أحدهم في نهاية المطاف، إذ يعتبر كتاب "النظرة الاقتصادية" للمؤلف جيمس كواك صورة بالغة الأهمية لهذه الغاية، وأي شخص لديه اهتمام في الشؤون العامة يجب أن يقرأه.

ويروي كواك وهو بروفيسور القانون في جامعة كونيكتكت كيف أفضت نظرية العرض والطلب وعقيدة الأسواق الحرة الى انهيار مالي وتعطيل نظام الرعاية الصحية وتضاعف اللامساواة والتباين وشبكة الأمان الاجتماعي، وتعتمد الفكرة الأساسية هنا على أن جعل كل شخص يفكر في تعابير ما يدعى "ايكون 101" (ويفضل وصف ذلك بالأسواق التنافسية) سمح لأنصار الأسواق الحرة بإعادة تحديد وتعريف وصفهم للجدل الوطني بما يخدم مصالحهم الخاصة. ويقول كواك إنه من خلال رؤية كل شخص لتعبير "ايكون 101" للعالم بدأت برامج وتنظيمات الحكومة تظهر في صورة خطيرة وغير فعالة، بينما بدأ التباين مثل المسار الطبيعي الذي يحدد الأشياء ويرسم صورتها.

ويوجد قدر كبير من الحقيقة هنا، فعلى سبيل المثال، عندما تكون السوق الحرة المنافسة قاعدة الافتراض فإن أعباء الاثبات تتحول بصورة غير عادلة الى أي شخص يقترح سياسة حكومية، وطوال سنين عديدة تمكن دعاة الأسواق الحرة من كسب الجدال عبر القول: "حسن، أظهروا لنا مواطن فشل السوق"، وقد دفع ذلك المثقفين في جناح اليسار الى مضاعفة العمل مقارنة مع شريحة جناح اليمين كما أعطى تلك الشريحة صوتاً أعلى في الحياة العامة وبقدر يفوق ما تستحقه أفكارها.

النظريات البسيطة

وصحيح أيضاً أن النظريات البسيطة – وخاصة تلك التي نتعلمها في سنوات التكوين – يمكن أن تحافظ على درجة لا يمكن أن تهتز في تفكيرنا، ومن هذا المنطلق، مثلاً، فإن نظرية ايكون 101 المتعلقة بالعرض والطلب تعتبر ملائمة بالنسبة الى البعض من المنتجات، ولكنها ليست كذلك تماماً بالنسبة الى أسواق العمل، وليس في وسع هذه النظرية تفسير التأثيرات الصغيرة لزيادة الأجور وتلك المتعلقة بالمهاجرين من ذوي المهارة المتدنية، وهنا تستدعي الحاجة وجود نظرية أكثر تعقيداً وتقدماً، ولكن بغض النظر عن القدر المتوافر من الدليل يستمر الناس في التحدث عن "جانب امداد العمل" و"جانب طلب العمل" كما لو أن ذلك يشكل الموضوع الحقيقي، ومن أجل تحليل السياسات، على سبيل المثال، يتم اللجوء الى اطار العمل نفسه، والفكرة التي نؤمن بها على الرغم من توافر كل الأدلة المناقضة لذلك ليست نظرية علمية على أي حال.

الغايات السياسية

الاقتصاديون في الأوساط الأكاديمية ليسوا متأكدين من كيفية الاستجابة الى النظريات الاقتصادية البسيطة التي تهدف الى تحقيق غايات سياسية، ومن جهة فإن ذلك يعطيهم درجة كبيرة من التقدير والاعتبار، كما أن ازدياد شعبية الأفكار الاقتصادية البسيطة جعل اولئك الخبراء في الميدان الاقتصادي الوجهة التي تستهدفها الطبقة المثقفة في الولايات المتحدة، وقد حصلت على طلب هائل في أوساط ما قبل التخرج وهي السمة التي يقول عنها الكاتب مايكل لويس "الاختبار القياسي للذكاء العام" بالنسبة الى رجال الأعمال في المستقبل.

ولكن كما يشير كواك فإن النظريات البسيطة التي أعلنها رجال السياسة وكتبت عنها صحيفة "وول ستريت جورنال" تحمل في أغلب الأحيان شبهاً قليلاً من النظريات المتقدمة المستخدمة من قبل خبراء الاقتصاد، وعندما تسير الأمور في الاتجاه الخطأ – حين يحدث الانهيار في النظام المالي أو عندما تحل المستوردات الصينية محل الملايين من العمال الذين يعجزون عن الحصول على فرص عمل جديدة – يتوجه اللوم الى الاقتصاديين الأكاديميين فقط.

ومن جهة اخرى، فإن الحل الذي يطرحه كواك – والذي أوافق أنا عليه – هو برهان مبني على التجربة والاختبار، وقد انتقل المبدأ الاقتصادي منذ سنوات عديدة من حدود النظريات الى المعلومات وقد لاحظ ذلك العالم بصورة جلية، وفي كل مرة تظهر الدراسات فيها أن خفض الضرائب لا يسهم بقدر كبير في تشجيع الاستثمار – أو أن تأثير الزيادة في الحد الأدنى من الأجور كان متواضعاً – تفقد العامة الثقة في قوة ايكون 101 التقليدية، والعلاج المتعلق بالجانب الاقتصادي يتمثل في مزيد من النشاط الاقتصادي لا العكس.

ومن هذا المنطلق يتعين علينا أن نقرأ كتاب كواك، ولكنْ ثمة سؤال كبير لا يجيب عنه – ما هو سبب نجاح النظرية الاقتصادية في اجتذاب عقول وقلوب الناس؟ هنا يرجع كواك الأمر كله الى تأثير رواد الأعمال والأثرياء، ويكتب أن "طريقة رؤية العالم لا تنتشر بكثرة وبصورة مؤثرة لا لأنها أكثر دقة أو صحة من البدائل المتاحة، بل لأنها تعكس أغراض وأهداف مجموعة المصلحة ذات الأهمية".

وأنا لا أصدق ذلك حقاً، ويبدو من الواضح بالنسبة لي أن استخدام العالم الحقيقي للعقيدة العالمية كان له تأثيره، وقد تخلت روسيا والصين عن الشيوعية لا لعدم وجود طبقة عمالية فيهما بل لأنه أصبح من الواضح أن النظام الشيوعي يبقيهما في حال من الفقر. وبدأ الأميركيون الآن يشككون في العملية الاقتصادية بسبب تراجع متوسط الدخل وتصاعد التباين واللامساواة والأزمة المالية والاقتصادية الضخمة.

ومن هذا المنطلق أتساءل ما اذا كانت النظرية الاقتصادية التي يبدو أن كواك يشير اليها ضمناً غير واقعية وغير مفيدة، وهل ان دولاً تعارض النظرية الاقتصادية مثل اليابان – على سبيل المثال - أو فرنسا تقدم خدمة أفضل الى الفقراء فيها بقدر يفوق ما تقدمه الولايات المتحدة؟ وقد انكمشت الأجور في تلك الدول كما ازدادت حدود التباين واللامساواة حتى مع بقاء تلك الدول أكثر فقراً من الولايات المتحدة، وهل ان مشاكل الولايات المتحدة تأتي كلها من النظرية الاقتصادية أم أن قوى اخرى مثل العولمة والتغير التقني لعبت دوراً في ذلك؟ كما أن المقارنات العابرة للحدود تشير الى أن خفض الضرائب في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي – على الرغم من الافراط فيه في نهاية المطاف – ربما أفضى بشكل ما الى زيادة الانتاج الاقتصادي.

من الواضح أن النظرية الاقتصادية مضت الى حد أبعد، ونظرة العالم التي تعلنها بسيطة جداً وهي تنتهي في بعض الأحيان الى الحاق الضرر بالكثيرين وتقدم فائدة للقلة فقط، ولكن مع بحثنا عن عقائد ووجهات نظر عالمية جديدة أظن أن علينا ألا ننسى النظرية الاقتصادية التي تعتبر احدى أدوات تفكيرنا.

* Noah Smith

نظرية العرض والطلب أفضت إلى انهيار مالي وتعطيل نظام الرعاية الصحية وتضاعف اللامساواة والتباين وشبكة الأمان الاجتماعي

الاقتصاديون في الأوساط الأكاديمية ليسوا متأكدين من كيفية الاستجابة للنظريات البسيطة التي تهدف إلى تحقيق غايات سياسية

طوال سنين عديدة تمكن دعاة الأسواق الحرة من كسب الجدال عبر مطالبتهم غيرهم بإظهار مواطن فشل السوق
back to top