نقطة: لو مسلّم موجود...
مع اقتراب موعد خروج النائب الأسبق مسلم البراك من محبسه، خرجت رؤوس الكثير من المتسلقين والانتهازيين والفداوية الجدد من جحورهم، وبدأوا تسخين "طيرانهم" والصياح مع كل تصريح أو حدث سياسي بالقول: "لو مسلم موجود ما كان سيحدث ما حدث". أو: "لو أنه موجود ما كان سيسكت عما جرى"... وما إلى ذلك من عبارات تقال بنبرةٍ ظاهرها التحسر والفقد، وباطنها الشحن وإيغار الصدور، تمهيداً لعودة المنتقم لمصالحهم وأهدافهم، كما يتمنون.السيد مسلم البراك -الله يشفيه ويفك عوقه- نائب سابق وسياسي معتق، له حسناته وأخطاؤه، فهو إنسان أولاً وآخراً، حتى لا ننسى، وما يعنينا اليوم ليس شخصه أو تاريخه، ولكن رافعي شعار "القضية المسلّمية"، إن صحت التسمية، هم محل نظرنا، وهؤلاء ينقسمون غالباً إلى نوعين: النوع الرومانسي العاطفي الثوري الحالم الذي ينتظر الخلاص في دنياه، من البطل الفرد السوبرمان المنقذ، وهو في حالتنا مسلم البراك بصفته رمزاً وطنياً حارب الفساد والمفسدين، وما إلى ذلك من شعارات وتمنيات هم مقتنعون ومؤمنون بها فعلاً، وبحاملها، بغض النظر عن تفاصيل وتناقضات وتعقيدات ونتائج أرض الواقع، وهؤلاء غالباً من فئة الشباب المطالب دائماً بالتغيير السريع، كعادة أبناء هذه المرحلة العمرية في حبهم للعجلة والاندفاع، وأظن أننا جميعنا كنا هناك يوماً ما، لذا فهم ليسوا محل حديثنا الآن، فالنوع الآخر والأخطر هؤلاء هم من نريد لفت الانتباه إليهم، وتسليط الضوء عليهم، والتحذير منهم؛ لعل المؤمن لا يلدغ من جحرهم مرة أخرى، فهم من تراهم يُكثرون هذه الأيام من رفع اسم مسلم البراك، أو يتبركون بزيارة مقامه في السجن المركزي، رغم أنهم هم السبب غالباً في ما انتهى إليه اليوم، وستعرفهم أكثر بتقمُّصهم الجيد لدور المدافع الشرس عن الحريات، ولو سألت لعلمت أنهم مشتكون على نصف الكويت بسبب تغريدة أو أقل، وربما لو خالفهم مسلم البراك نفسه لسعوا إلى سجنه مرة أخرى بعد خروجه.
فأمثال هؤلاء لو كانوا فعلاً كما يدعون أنهم على قناعه تامة وإيمان حقيقي بطرح السيد مسلم البراك ومبادئه وحسن تقديره ونظرته للأمور والقضايا السياسية المختلفة، لَمَا حاربوه في السابق على مختلف الصُّعُد والمجالات، ولكان الخلاف بينهم حينها سياسياً فقط ينصب على بعض القضايا والمواقف هنا وهناك، ولو كان كذلك لتفهمناه، لأنه لا يخرج عن سياق طبيعة العمل السياسي، لكنه وصل إلى الجانب الشخصي، إلى حد نقد آلية التفكير واتخاذ القرارات لدى مسلم والطعن في سماته الشخصية واتهامه بالنرجسية والغرور وجنون العظمة، حسب كلامهم آنذاك، وليس كلامي، علماً بأن هذه الصفات الشخصية لم تتغير حين اصطفوا خلفه، إلا أنهم وجدوها مزايا فريدة وخارقة حسب معاييرهم الجديدة. وفجأة صارت الانفعالية والاندفاع دون حساب للعواقب تسمى مرجلة تُحذف في سبيلها العُقل، بعد أن كانت ممجوجة ومحل انتقادهم حين كان مسلم خصمهم، فتم استغلال هذه الصفات جيداً للتواري خلف الرجل في مرحلة ما قبل نهاية المعركة الناصرية/ الأحمدية الأخيرة، لعله يرجح ميزان تحالفاتهم وطموحاتهم، فما زلنا نذكر من كان يواجهه في قضية صفقة "الداو" مثلاً، ومازال ماثلاً أمامنا ما صدر في تلك الفترة من قصف عشوائي واتهامات متبادلة، لو صح نصفها لكان من المعيب أصلاً ادعاء التحالف والاتفاق بين الطرفين اليوم، لأن أحدهما متهم بالفساد، على الأقل حسب رأي الطرف الآخر به، وليس رأيي، أو ما كان يقال عن مسلم من أتباع "ثلاثي الفساد" في تلك المرحلة الجميلة، قبل أن يبدأ غسل وإعادة تدوير الثلاثي، فصارت ذيوله الآن تسبّح بحمد البراك، وكأن شيئاً لم يكن، ولا ننسى أيضاً بعض أبناء قبيلته الكريمة ممن كانوا يحاربونه ويحيكون التحالفات ويخوضون الانتخابات ضده بقصد إسقاطه في زمن المقعدين والصوتين، واليوم يحلفون برأسه، ولا أظنهم يخفون عن فطنتكم وفطنته. باختصار، الكثيرون ممن يرفعون قميص مسلم اليوم يطلبون خروجه ليناكف السلطة ويحارب ويصطدم ويسجن نيابة عنهم ليضاربوا عليه ويساوموا به؛ ليقطفوا هم ثمار المناصب والصفقات والمقاعد البرلمانية، وأمثالهم أشد ضرراً من الخصوم الواضحين أو المختلفين الصريحين، ولن يمانعوا لو تكرر الأمر عشرين مرة، مادام يحقق مصالحهم، أطيبهم من يستعجل خروج مسلم ليصعد على أكتافه فقط، أما من يريد خروجه ليعيده مرة أخرى من حيث خرج فأظن أن مسلم أدرى بهم أكثر مني، لذا وجب التنبيه والإحاطة لكم وله بالعلم.