غالباً ما تتحول التجارب الشخصية لبعض المشكلات الصحية إلى حالة عامة تحظى بجهود مجتمعية وحكومية توضع لها الخطط والبرامج لمواجهتها واحتوائها ومنها مرض (الديسلكسيا) أو (عسر القراءة) الذي يعانيه 7 في المئة من سكان العالم من بينهم مشاهير وعظماء عرفهم التاريخ.

Ad

وتكمن خطورة (الديسلكسيا) في كونه يؤدي إلى حدوث مشكلات تربوية قد تكون «خطيرة» بسبب صعوبات التعلم التي يواجهها المصابون بهذا المرض لاسيما في مرحلة الطفولة.

وتحولت التجربة الشخصية للكويتي محمد القطامي الذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية الكويتية للديسلكسيا إلى جهد مجتمعي سلط الضوء على هذا المرض الذي اكتشفه العالم منذ فترة قريبة.

وتأتي تجربة القطامي نموذجاً في التعامل مع هذا المرض كأب كويتي أعيته سنوات من البحث جاب خلالها العالم للتعرف على الحالة التي يعانيها ابنه وعلى نوعيتها وأبعادها وأسبابها وكيفية مواجهتها.

ولا تبتعد دولة الكويت كثيراً في نسب المصابين بهذا المرض الذي طال «المخترعين والعظماء» عن النسب العالمية إلا أن الاختلاف يكمن في كيفية مواجة المرض وحجم الدعم الذي تقدمه الدولة والجهود المجتمعية لاحتوائه.

وشهدت دول العالم ومنها الكويت دراسات وأبحاث ومسوحات عدة حول المرض منذ بداية اكتشافه إذ قامت الجمعية الكويتية للديسلكسيا من جهتها بدراسة مسحية عن الأطفال الذين يعانون العسر القرائي في الكويت.

وبلغ عدد الذين تم فحصهم أكثر من 30 ألف تلميذ وتلميذة حيث شكلت نسبة الإصابة لدى الذكور حوالي 12 في المئة في حين بلغت لدى الإناث حوالي 10 في المئة بنسبة إجمالية بلغت 3.6 في المئة من مجموع عينة الدراسة.

ووضعت تلك النتائج أصحاب القرار في الكويت أمام تحديات وطنية لمواجهة هذا النوع من صعوبات التعلم لاسيما بعد استكمال عدد المدارس التي شملها المسح وهي 650 مدرسة حكومية موزعة على المناطق التعليمية المختلفة.

وفي هذا الصدد، قال محمد القطامي لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم السبت أنه تم عمل أدوات خاصة للتعرف بدقة على الإصابة بالمرض بعد اكتشاف نسبه من خلال النتائج التي تم التوصل إليها في الدراسة المسحية.

وأضاف القطامي أن الدراسة أعطت فكرة واضحة عن المرض وكيفية التعامل معه وعلاجه وذلك من خلال تعاون العديد من وزارات الدولة ومؤسساتها والشركات الأهلية والمتبرعين.

وأوضح أن جمعية الديسلكسيا الكويتية والتي تعد الأولى من نوعها على مستوى الوطن العربي استطاعت تغطية كل الاحتياجات المطلوبة لمختلف الأعمار وقطعت شوطاً كبيراً في العلاج محلياً وعالمياً.

وذكر أنه يتم العمل على نقل التجربة إلى خارج الكويت خصوصاً وأن الأدوات التي لديها في هذا الشأن لا تمتلكها أي دولة عربية.

ولفت إلى أن الجمعية قامت بعمل استقصاء عالمي لأحدث الطرق والأدوات العالمية المستخدمة للكشف عن المرض، مبيناً أنها استطاعت التوصل إلى أهم تلك الأدوات واستقرت على استخدام الكمبيوتر في الكشف لسرعة ودقة الإنجاز.

وأشاد القطامي بالدعم الحكومي المتميز في هذا المجال، معرباً عن الأمل بتقديم المزيد من الدعم لتنفيذ المشاريع الضخمة بالتعاون مع وزارة التربية لاجراء عمليات مسح شاملة للمدارس للكشف عن الحالات المصابة بالمرض.

وأشار إلى مشروع (المدارس الصديقة للديسكلسيا) الذي بدأ العمل به عام 2005 بالتعاون مع وزارة التربية ويضم 22 مدارسة حتى الآن وذلك بعد دراسة مسحية أعقبها تطبيق للتجربة البريطانية في المدارس.

وأفاد بأن الجمعية ستبحث مع وزير التربية ووزير التعليم العالي الدكتور محمد الفارس قريباً كيفية التوسع في تنفيذ المشروع ليشمل جميع مدارس الكويت.

وكشف أن الجمعية هي أول هيئة غير أكاديمية توقع مذكرة تفاهم مع كلية التربية في جامعة الكويت بعد تجربتها الرائدة في هذا المجال لتطوير مناهج الكلية بما يلبي احتياجات وزارة التربية من المدرسين المؤهلين لاكتشاف حالات الديسلكسيا.

وتابع أن الجمعية قامت أيضاً بمسح لثماني مدارس للأحداث تابعة لوزارة الداخلية، مشيراً إلى أن النتائج أظهرت أن نسب الإصابة بالمرض أعلى من مثيلتها في مدارس وزارة التربية حيث بلغت حوالي 21 في المئة الأمر الذي يحتاج إلى جهد خاص لعلاجه.

وقال إن الجمعية تتعاون مع وزارة الصحة لتقصي الإصابة والإستفادة من التطور العلمي علاوة على وجود تعاون غير مباشر مع الأمانة العامة للتخطيط لدعم أنشطة الجمعية من خلال دعم المشاريع التي تنفذ بالتعاون مع الأمم المتحدة.

من جانبها، أكدت مسؤولة التشخيص في الجمعية ضياء الرشيد في تصريح مماثل لـ (كونا) أهمية دور التشخيص في الكشف عن الديسلكسيا باستخدام أحدث الطرق والوسائل، لافتة إلى أنه يتم بداية الأمر تحديد نسبة ذكاء الحالة.

وأوضحت الرشيد أن هناك عدة اختبارات للذكاء منها اختبار الذكاء غير اللغوي وآخر لتحديد نوعية صعوبة التعلم وثلاثة اختبارات لكل مرحلة دراسية يتم بعدها إجراء إختبار (لوسيد كوبس) لقياس المهارات الإدراكية السمعية والبصرية.

من جهتها، قالت استشارية طب الأطفال التطوري في وحدة الطب التطوري بوزارة الصحة الدكتورة ناهد العبدالرزاق إن الوحدة تختص بتشخيص المشاكل التعليمية والذهنية والسلوكية للطلبة ومنها مرضى الديسلكسيا لكن لا علاقة لها بالعلاج.

وأوضحت العبدالرزاق أن التربويين هم الأفضل للتشخيص لأن هذا النوع من المرض لا يحتاج إلى طبيب بل إلى متخصصين تربويين ونفسيين.

وذكرت أن التشخيص يتطلب فريق عمل متعدد التخصصات منها اختصاصيين نفسيين وتربويين والطب التطوري والطب النفسي، مبينة أن الطب التطوري يستقبل حالات من مختلف مناطق الكويت سواء من المدارس أو شخصياً من قبل أولياء الأمور لاستكمال التشخيص.

وتعرف المنظمة العالمية للأعصاب الديسلكيسيا بأنه خلل يحدث عند الأطفال الذين يفشلون في اكتساب المهارات اللغوية الخاصة بالقراءة والكتابة والتهجئة التي تتواءم وقدراتهم العقلية في حين عرفته الجمعية الأمريكية للديسلكسيا بأنه خلل عصبي متوارث بين أفراد العائلة يعرقل اكتساب اللغة ومعالجتها.

وتشير الإحصاءات العالمية إلى أن نسبة المصابين بعسر القراءة هي الأعلى بين المصابين بصعوبات التعلم إذ تتراوح بين 60 و70 في المئة ويشكلون ما نسبته من 5 إلى 7 في المئة من سكان العالم.

وأسست الجمعية الكويتية للدسلكسيا في 14 ديسمبر 2005 وتم إشهارها رسمياً بقرار وزاري نشر في الجريدة الرسمية في 19 فبراير 2006 كجمعية نفع عام متخصصة في مجال صعوبات التعلم العام والعسر القرائي (الدسلكسيا) خاصة.

يُذكر أن من أبرز المشاهير الذين عانوا الديسلكسيا المخترع الأمريكي توماس إديسون وأوغست رودين وغراهام بيل وألبرت أينشتاين وليوناردو دافينشي وبابلو بيكاسو ومحمد على كلاي وونستون تشرشل وجون كنيدي وجورج واشنطن وأغاثا كريستي وغيرهم.