لا يختلف أحد منا على أهمية تكريم الأدب والأديب في العالم العربي، والاهتمام به في حياته، قبل أن نكيل له المدائح في مماته، ونحوله فجأة إلى أسطورة لم نكن ننتبه لها. ولا أقصد هنا التكريم المادي فقط، ولكن التكريم المعنوي المستحق.

وجاءت الجوائز – الخليجية تحديدا – لتحفز الناشر والكاتب ولجان التحكيم وينصب تركيز الجميع على العائد المادي لهذه الجائزة أو تلك. الناشر كصاحب مؤسسة ربحية يبحث عن الجائزة، لتحقيق المزيد من مبيعاته، وهذا حق مشروع له. فالكتاب ليس سوى سلعة ثقافية في المقام الأول، ومن غير المعقول أن نطالب الناشر بأن يخسر وحيدا، علما بأن أغلب الكُتاب يساهمون في طباعة كتبهم، ويواجهون أحيانا رفض الناشرين لطباعة أعمالهم، لعدم توقع المردود المالي.

Ad

ويسعى الكاتب أيضا إلى تحقيق شهرته من وراء الجائزة، وضمان وجود اسمه، ورغبة الناشرين في التعاون معه مستقبلا. أما القارئ، وهو الحلقة الأهم هنا، فيجد أن الجوائز تختصر عليه البحث، وتحدد له الأعمال التي سيقرؤها ويشارك الآخرين قراءتها.

كل ما سبق مقبول ومعقول، لو أنه بقي ضمن الأطر السليمة في النظر للكتاب والكاتب، ولكن الحقيقة ليست كذلك. الحقيقة التي لا يمكن أن نغفلها أن هذه الجوائز جاءت لتكريس حالة أدبية سيئة في الواقع الثقافي العربي، وهو واقع مهزوز أصلا وغير موثوق به. ولكي لا نتدخل في نوايا القائمين على الجوائز وأهدافهم ولا نتدخل في التخمين دون دليل، سنناقش الواقع، وما تشير إليه المخرجات.

المعضلة الأولى، هي تكريس دور نشر معينة وأسماء معينة في كل مرة، ما يدل على أن اللجنة التي عليها قراءة الروايات العربية تفرض عليها مجموعة من الروايات من قبل الأمناء. أصبح واضحا التوزيع المناطقي للفائزين، وتحديد الدول التي تتداول الجائزة، وإقصاء دول أخرى، كسورية مثلا، رغم جودة الروايات المتوافرة في هذا العام والأعوام التي سبقته.

المرض الثقافي العربي هو جزء من المرض السياسي والاجتماعي الذي تعانيه الشعوب العربية، وليس لنا أن نطالب بشفافية وصدق، في ظل أوضاع عامة تعاني أصلا غياب الصدق والشفافية.

ليس لنا أن نطالب مؤسسة ما في الوطن العربي أن تعمل خارج هذا الكمّ من الرياء والوصولية والبحث عن المجد الذاتي وتكريس الفردية. لسنا معنيين حقيقة بمن يفوز في جائزة ما، لكننا معنيون بإبقاء الثقافة الوجه الوحيد الجميل، وسط هذا الخراب الذي يحيط بنا.

نحن جميعا معنيون بألا ننساق خلف ما رسمته الجوائز وأصبحنا نكرس فيه ولاءاتنا الضيقة لأوطاننا. بالأمس حين فقدنا الشاعر الجميل سيد حجاب كان كل مثقفي الأمة العربية ينعونه ويذكرونه، وليس أبناء بلده فقط، وحين يصدر عمل أدبي يستحق الثناء في أي بقعة من الوطن العربي سنقف معه ونحييه. أما تكريسكم للنتائج المناطقية بتعداد كم رواية للعراق، وكم رواية لمصر وهكذا، فبئس ثقافة عربية تبحثون عنها.

الرقم في العنوان هو عدد الروايات المشاركة في جائزة كتارا لهذا العام، والسؤال البسيط؛ كم من الوقت يحتاج عضو اللجنة لقراءة هذا العدد؟ وما الذاكرة الخرافية التي يمتلكها ليعرف أي رواية أحق بالفوز؟