عودة إلى الاستجواب

Ad

تناولت في مقالي الأحد الماضي الاستجواب الموجه إلى معالي وزير الإعلام وزير الدولة لشؤون الشباب، ومخالفته لأحكام الدستور، لأنه قدم عن وقائع سابقة تمت خلال الفصل التشريعي السابق، ولم تكن محلا لاستجواب فيه إلى أن تم حله، أي أنه كان محل ثقة المجلس السابق الذي لم يحرك أحد أعضائه ساكنا لمساءلة الوزير عنها، كما نال الوزير ثقة الأمير مرة أخرى، إلا أن ذلك ليس معناه أن تظل هذه الوقائع بلا مساءلة سياسية في المجلس الحالي، بل تكون محلا لهذه المساءلة بعد تقديم برنامج عمل الحكومة ومناقشته وإبداء ملاحظات المجلس عليه، وأن تكون هذه الوقائع ضمن هذه الملاحظات، طالما أن عضواً أو أكثر من أعضاء المجلس يعلمون بها وينوون تقديم استجواب فيها، على أن يأتي الاستجواب بعد إعطاء الوزير المهلة الكافية- بعد البرنامج- لإصلاح الأخطاء التي شابت ممارسته أثناء حمله الحقيبة الوزارية السابقة.

وأضيف أن الممارسات البرلمانية السابقة التي وقعت بالمخالفة لأحكام الدستور من هذه الناحية، لا ينشأ معها عرف دستوري أو برلماني، لأنه لا يجوز قيام عرف برلماني على خلاف أحكام الدستور، وإلا فإن الدستور الذي صاغته الإرادة الشعبية الممثلة في مجلسه التأسيسي، وصدّق عليها صاحب السمو الأمير وأصدرها عهدا وميثاقا بين الحاكم والمحكومين، وبين السلطات جميعا، سوف يصبح عرضة لتنقيح فعليّ للدستور في كل ما يتصل بالعلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فتفقد التوازنات التي أقامها الدستور قيمتها، بما يهدد استقرار الحكم، وهو الركيزة الأولى التي أقام عليها الدستور نظام الحكم.

مشاري العنجري والصندوق الأسود

ولا أعتقد حتى الآن أن أحداً سوف يحرك ساكنا لصون أحكام الدستور، فالاستجواب يحقق دائما مكاسب برلمانية للنواب، في الشارع ولو لم يظفروا بقرار بعدم الثقة، والحكومة يهمها نهاية سعيدة للاستجواب ولو تجاوزت عن المثالب الدستورية، ولديها من حساباتها السياسية ما تستطيع معه أن تحقق هذه النهاية.

إلا أن انبهاري بدستور الكويت وبتجربتها الديمقراطية وأملي في أن تشع على غيرها من أنظمة الحكم في عالمنا العربي بإشعاعها الوضاء في حرية الرأي والرأي الآخر، يجعلني أحرص دائما على متابعة مسار هذه التجربة، وما تحققه من إنجازات وما يعتريه من وقفات.

وفي هذا السياق ذكرنا الأخ الفاضل مشاري جاسم العنجري في حديثه يوم الأربعاء الماضي في برنامج الصندوق الأسود الذي يذاع على قناة الكوت الذي يقدمه المذيع المتألق الصاعد عمار التقي، بالزمن الجميل الذي كانت تعلو فيه المبادئ على المكاسب البرلمانية، وهي الحلقة الثانية من حديثه عن التجربة البرلمانية التي عاصرها العنجري وشارك فيها، وسوف تتلوها حلقات، ذكرنا بوقائع كانت تعلو فيها المبادئ وصون الممارسات البرلمانية على أي انتهاك لأحكام الدستور وأحكام اللائحة الداخلية، وأن هذه المبادئ لم تكن تقف عند استيفاء الشكل الدستوري والقانوني للممارسة البرلمانية، بل كانت تلتزم بجوهر الأحكام الدستورية والقانونية، وتتحلى في كل ذلك بالقيم الرفيعة والأخلاق النبيلة في تحقيق وحدة الصف النيابي بعيداً عن التكتل والتحزب والتعصب، وأن تسود المحبة والتعاون بين أعضاء المجلس كافة، وبينهم وبين الحكومة.

العنجري ورئاسة اللجنة التشريعية

والقصة التي ذكرنا بها وبما احتوته من أسرار كشف عنها الصندوق الأسود هي رئاسته للجنة التشريعية والقانونية، في أول فصل تشريعي يتبوأ فيه مقعده النيابي في مجلس 1981، حيث جرت الانتخابات في اللجنة لانتخاب الرئيس والمقرر والتي أسفرت عن تساوي مشاري مع منافسه في عدد الأصوات التي حصل عليها كل منهما، ثلاثة أصوات، وكان الحضور عند التصويت 6 أعضاء.

وعندما أراد رئيس السن إجراء القرعة التي أشار بها الخبير القانوني الراحل مصطفى كامل إسماعيل على اللجنة رفض الأعضاء الآخرون، فقدم محمد المرشد وخالد الوسمي ومشاري استقالتهم من اللجنة وامتنعوا عن حضور جلساتها.

وتدخل الرئيس العدساني واجتمع بهم لإثنائهم عن الاستقالة، فقال له محمد المرشد بشرطين: أولهما اعتذار الفريق الآخر وثانيهما، إجراء القرعة، وقبل الآخرون هذين الشرطين، وتم الاعتذار وأجريت القرعة في مكتب الرئيس، وفاز مشاري برئاسة اللجنة.

وفي دور الانعقاد الثاني "تمت دعوى أعضاء لجنة الشؤون التشريعية والقانونية إلى الاجتماع لانتخاب الرئيس، حيث حضر الاجتماع كل من محمد المرشد وخالد الوسمي ومشاري العنجري، انتظارا لحضور حمود الرومي، الذي كان في زيارة طبية للمستوصف، وكان الأعضاء الثلاثة الآخرون في اللجنة ينتظرونه خارج قاعة اللجنة في المجلس، حتى لا يكتمل نصاب الحضور، وتجرى الانتخابات للرئاسة في غياب رابعهم الذي كان سيصوت معهم للنائب عيسى الشاهين.

ويقول مشاري العنجري، إنهم ظلوا مجتمعين دون نصاب، حتى حضر حمود الرومي واكتمل النصاب دون حضور الأعضاء الثلاثة الذين كانوا خارج القاعة في انتظار الرومي، ولم يعلموا بحضوره، وأعلن الرئيس فتح الباب للترشح لمنصب الرئيس فرفع مشاري العنجري يده، وتوقع الجميع أن يعلن ترشيح نفسه للرئاسة، التي كان سيفوز بها لا محالة، حيث كان سيصوت له رئيس السن محمد المرشد وخالد الوسمي، فإذا به يفاجئ الجميع بأنه يرشح عيسى الشاهين للرئاسة وصالح الفضالة مقررا للجنة، مبرراً ذلك، بأنه ليس من أخلاقه، أن ينتهز فرصة اكتمال النصاب بحضور النائب حمود الرومي، في غياب الثلاثة الذين كانوا ينتظرون حضوره للتصويت معه للشاهين والفضالة وفي دهشة من النبل والترفع عن المناصب اللذين اتسم بهما موقف العنجري، صوّت المرشد والوسمي والعنجري والرومي للشاهين والفضالة، في غيابهما.

السعدون ورئاسة المجلس

وروى العنجري في الصندوق الأسود قصة انتخاب أحمد السعدون في مجلس الأمة 1981 لمنصب نائب الرئيس بعد أن أخفق في انتخابات الرئاسة، نتيجة دعم الحكومة للعدساني، ولم يكن السعدون ينوي أن يرشح نفسه لمنصب نائب الرئيس، وهو المنصب الذي عقد العزم على الترشح له كل من النائبين محمد جاسم الخرافي وبدر المضف، إلا أن الجميع فوجئ قبل إعلان ترشحهما بصوت النائب الجليل الراحل جاسم حمد الصقر يجلجل في القاعة ليقول للجميع: يا إخواني أرجو الموافقة على تزكيه أحمد السعدون لمنصب نائب الرئيس، ولعلو مكانة النائب جاسم الصقر لدى الأعضاء وأنه في قلوبهم جميعا، وافق المجلس موافقة عامة على هذا الترشيح ، فلم يمنع الحكومة التي عضدت وقتئذٍ العدساني ضد أحمد السعدون في انتخابات الرئاسة، من أن تعضد النائب أحمد السعدون في تزكيته لمنصب نائب الرئيس.

وفي رأيي أن المحبة والتآخي والتعاون ووحدة الصف النيابي والحكومي هي سمات أساسية اتسم بها هذا المجلس، بالرغم من الاختلافات في الرأي في كثير من المسائل والتشريعات، وهذه هي الديمقراطية التي تقوم على الرأي والرأي الآخر.

وللحديث بقية إن في العمر بقية.