ما قيمة مؤسساتنا... ما دمنا أبطال الفساد؟!
لم تكن مفاجأة، بل كانت صدمة، أن تحتل الكويت المركز الأول في مدركات الفساد بين دول مجلس التعاون الخليجي، وتتراجع عشرين مركزاً على المستوى العالمي، لكنها لم تكن مفاجأة، لأننا على مدى سنوات لم نحرز نجاحاً في قضايا الفساد، ولم نرَ فاسداً كبيراً خلف القضبان منذ قضية الناقلات والاستثمارات الخارجية وحتى اختلاسات مؤسسة التأمينات الاجتماعية وفضائح المناقصات ومصيبة "الداو" والإيداعات. أما الصدمة، فهي أننا بعد أكثر من 55 عاماً من العمل النيابي والديمقراطي تصدرنا قائمة الفساد في المنطقة!إذاً، ما قيمة مؤسساتنا الدستورية وهيئاتها الرقابية وبرلماننا إذا كان الفساد قد اخترقها وتعايش معها وتربع في البلد؟ هل نعيش في ملهاة عبثية نسميها ديمقراطية وعملاً نيابياً، كما يصفها الأستاذ الدستوري د. عبيد الوسمي، أم نحن غير مؤمنين ببقاء هذا البلد واستمراريته، فيقوم القادرون والمتنفذون منا على تقويض أركانه ونهبه، تمهيداً للرحيل إلى الدار الدائمة؟
تكاذبنا على بعضنا وأنفسنا، ووضعنا مساحيق التجميل على فسادنا المستشري بزيادة أرشيفنا القانوني بتشريعات حماية المال العام ومكافحة الفساد وحماية المبلِّغ عن جرائم المال العام... إلخ، وبعدها جاء المتنفذون بأعتى المستشارين القانونيين وأخبثهم، لاختراقها وشل فاعليتها، وأتينا بأمهر من يدفنون القضايا ويخربونها عبر الترضيات والمناصب لغير الأكفاء واللعب بصناديق الانتخابات والمناورات على حبال الطوائف والعصبيات ومنح العطايا والامتيازات.هذه الصدمة التي أحدثها تصدرنا للفساد يمكنها أن تزلزل أي بلد ديمقراطي دستوري فعلي، وربما تطيح بحكومات ورؤساء أجهزة المحاسبة ومكافحة الفساد فيها، وربما تؤدي إلى تنحي رؤساء برلمانات وأحزاب حاكمة وطلبها لانتخابات مبكرة، لكن عندنا "سلامات"، فمجلسنا مشغول باستجواب رأس الأولويات، وهو ملف "الطمباخية"، فيما هيئة مكافحة الفساد تعاني مشاكل جمة، ووزير العدل يحاول تعديل قانونها، ليخضعها لسيطرة الحكومة، المفروض أن تراقب أعضاءها! فيما يقول النائب حمدان العازمي إن المخاطبين بقانون كشف الذمة المالية حولوا أموالهم إلى أسماء زوجاتهم، ويجب تعديل القانون فوراً، ولكن "ربعه" مشغولون بالرياضة والحفلات في دار الأوبرا!الحقيقة المؤلمة أننا أمام فشل مروع لمؤسساتنا الدستورية، ربما يؤسس لتداعيات خطيرة في المستقبل على أجيال محبطة وغاضبة من غياب العدالة، بمفهومها الشامل الاجتماعي والقانوني، وكذلك وجود خلل واضح في آليات الرقابة والتشريع، فالبرلمان غير قادر على ممارسة دوره الرقابي لوقف الفساد أو تحجيمه على الأقل، ولا تشريعاته التي يصدرها أيضاً تقوم بذلك، فلا قوانين الوكالات التجارية والمناقصات العامة وحماية المنافسة حسنت موقعنا في مدركات الفساد، لأن المنظمات العالمية لديها القدرة على التفريق بين التشريعات الفاعلة وبين التشريعات المصاغة بـ"ثغرات" للاستفادة وخدمة مصالح النافذين وأصحاب القرار، وأيضاً فاعلية الأجهزة الحكومية ومصداقيتها في تنفيذ تلك القوانين، ولا الجهات الرقابية أيضاً، مثل ديوان المحاسبة وهيئة مكافحة الفساد والأجهزة القضائية، قادرة على مواجهة الفساد ومحاربته... وهي مؤشرات جادة تقرع ناقوس الخطر حيال مستقبل أي دولة.