لسنا بصدد عمل مراجعة أو نقد – إيجابا أو سلبا - للتقرير الشهري للفريق الاقتصادي لوزير المالية، ولكننا نود التذكير فقط بأن أرقام الإنفاق الاستثماري أو الإنفاق على المشاريع الإنشائية من دون ربطها بالعائد الاقتصادي، قد يؤدي إلى نتائج عكسية.

ففي بداية القرن الحالي، كتبنا في تقريرنا تحذيرات باتت مكررة ومملة عن خطورة الاندفاع في توسع السياسة المالية. وبسبب تداعيات ذلك التوسع، كل ما تهدف إليه السياسات المعلنة حاليا، هو مجرد العودة بالأوضاع بضع سنوات إلى الخلف لتعويض خسائر تلك السنوات فقط. واعتبار أرقام الإنفاق على المشروعات الملتزم بها أو تلك المتعمدة أو المقدرة على أنها تطور إيجابي في زمن فيه الحكومة عاجزة عن صيانة وتشغيل القائم من المشروعات - طرق ومستشفيات ومدارس وموانئ.. إلخ-، قد يؤدي إلى توسعة الفجوات الهيكلية بدلا من ردمها، أي يعمق تداعيات السياسات المالية القديمة.

Ad

مثال في الجدل الدائر حاليا حول خط الأنابيب النفطي من كندا إلى خليج المكسيك، والجدل يتمحور حول خلق 28 ألف وظيفة ونوعيتها مقابل المضار البيئية له، وليس حول تكلفته.

إنفاق استثماري

وقال "الشال": التقرير يذكر بأن خطة التنمية تستهدف إنفاقا استثماريا بحدود 34 مليار دينار لغاية 2020، من دون ربط الإنفاق بعدد فرص العمل المستدامة والمواطنة، أو معدلات النمو الاقتصادي المستهدفة، ومن دون ربط بأثرها على ردم الفجوة المالية لاحقا، ومن دون ربط بأهداف التنمية المعلنة، أي الارتقاء بتنافسية الاقتصاد المحلي وتسريع تحوله إلى مركز تجاري ومالي، أو إلى أثرها العام في تنويع مصادر الإنتاج والدخل. وفي التفاصيل، يذكر أن الارتقاء بمستوى الإنفاق الاستثماري إلى 36 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، وهو مستوى جيد لم يتحقق منذ 20 سنة، ذهب إلى مشروعات بقيمة 7.5 مليارات دينار منحت في عام 2014، وتوقيع عقود بقيمة 12 مليار دينار في عام 2015، وأخرى بقيمة 3.6 مليارات دينار منحت لغاية سبتمبر 2016، إضافة إلى 1.3 مليار دينار لتوسعة الطاقة الاستيعابية للمطار.

كلها مشروعات لا تأثير حقيقيا لها في تنويع مصادر الدخل، وتخدم التوسع الإسكاني الأفقي، بما يضاعف من خلل التركيبة السكانية، وخلل ميزان العمالة، وكلها سياسات غير مستدامة، وضاغطة بشدة على الفجوة المالية، والمالية تعاني عجزا متصلا بسبب ضعف سوق النفط المحتمل والمستمر على المدى الطويل هذه المرة.

تصنيفات ائتمانية

ولا يفترض في تقرير اقتصادي أن يبنى على وضع غير مستدام، فالأصل هو استباق حدوث الأزمة، وليس الاعتذار حال حدوثها، ثم البحث عن حلول موجعة لمواجهتها، ولا يفترض في التقرير الاعتداد بتصنيفات ائتمانية من مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية، لأن جمهورها هو مقرض مالي عالمي، والمدى الزمني لها هو بضع سنوات.

وحتى الحديث عن وفر في مصروفات الدعم - بنزين وكهرباء وماء -، وهو توجه مستحق، من دون دعم له بخطوات لمواجهة الهدر والفساد المستشري، وآخر أمثلته تخلف الكويت في جدول مدركاته 20 مركزا في عام واحد، توجه غير قابل للتسويق لغياب القدوة في السياسات الحكومية.

لذلك، نتمنى أن تكون مرتكزات التقرير الشهري القادم هي مرتكزات تقارير الدول الحصيفة، مثل النمو والبطالة والبيئة والعائد المالي والتنافسية وحصافة الإنفاق ونظافته، بمعنى آخر، كلها أهداف تقع تحت عنوان الاستدامة من عدمها.