دائما أشعر بأن الكويت شابة صغيرة مليئة بعنفوان الشباب والحيوية أكثر من المدن الخليجية الأخرى، ليس بسبب التحديث والتغيير العمراني السريع الذي تتشابه به مع الدول الخليجية التي تسير معها بذات النمو والسباق العمراني الجامح. ففي هذا المجال الجميع يتسابق للمحو والتغيير الكامل لما كانت عليه المدن في ماضيها، وإحلال عمران بعيد تمام البعد عن الهوية والطابع الحضاري الخليجي العربي، حتى باتت مدننا كأنها مدن أميركية أوروبية.

التغيير والتطور العمراني الذي صبغ الدول الخليجية بصبغة وطابع متشابه موحد، لم يستطع أن يفرض هذا التشابه على شعوب هذه الدول التي تشابهت بنيتها المعمارية، لكنها لم تتشابه في تركيبها النفسي، وهذا ما منح ميزات واختلافات ميزت روح كل شعب على حدة، ما انعكس على مدنها، فالشعب السعودي تجده حكيما عاقلا متشبثا بجذوره، التغيرات تأتيه ببطء، بعيدا عن الهرولة والعجلة. الشعب الإماراتي أيضا يتغير بتعقل، وكذلك الشعب القطري، البحريني قابل للانفتاح من دون انفجار الطيش. أما العمانيون، فالتغير عندهم بطيء ومدروس بحكمة التوازن. أما الشعب الكويتي، فالتقلبات والتغيرات تجتاحه وتقتلعه من جذوره بسرعة الريح.

Ad

وما يميز الكويت عن جيرانها، هو حيوية شعبها، ما جعلها مدينة شابة تعج بالحياة والتغيرات المتجددة والجديدة طوال العام، التي تجد لها ترحيبا وقبولا سريعين، فالمجتمع الكويتي عنده قدرة على الانفتاح والتقبل لكل ما هو غريب وعجيب، لا يقف متحجرا أمام أي شيء لم يعتد عليه أو لم يعرفه، وقدرة سريعة منفتحة على التجريب والتقبل والامتصاص والتغير، ما يجعل الكويت مصدرة وموردة لسلوكيات لم تكن موجودة وغير متعارف عليها، لا فيها ولا بالدول المجاورة، وهذا نتيجة للحراك الحيوي الذي تتميز به منذ نشأتها، وهذه الحيوية تتميز بها معظم الشعوب ذات المدن البحرية، ولعل حيوية الكويت ربما تكون أكثر من المعتاد، وهو ما لفت الأنظار إليها منذ نشأتها.

هذه الحيوية تجعلها مدينة شابة محبوبة خفيفة الدم، فيها شيء من طيش المراهقة وحب المغامرات وجنوح الخيال لريادة الكسب والنجاح.

ومع الانفتاح الكبير على العالم الإلكتروني انزاحت التحفظات التقليدية لأغلبية الأسر الكويتية، فاندفع الشباب من الجنسين إلى ميادين العمل، بكل أشكاله وتنوعاته، ولم تعد هناك نظرة دونية لمن يعمل في أي مهنة كانت، فأصبحت الأسر تتباهى بابنها أو ابنتها الطباخة الملقبة بـ"الشيف" الماهر فلان أو فلانة، أو صاحبة الكافيه أو مديرة الصالون أو المطعم ومهن كثيرة متنوعة.

ومع تمويل المشروعات الصغيرة ازدادت الأفكار، ودخلت مشاريع متعددة على المجتمع الكويتي، وكل هذه الأعمال التي ابتدرها الشباب جديدة ومختلفة على سوق العمل الكويتي والخليجي، فمثلا بعد إغراق السوق بمختلف أنواع محلات الحلويات والمطاعم والكافيهات وصالونات التجميل واتيليهات التفصيل والخياطة، حتى تشبع تماما وفاض عن حاجته، جاءت أفكار جديدة أفضل بكثير من سابقتها، انتبه مجموعة أخرى من الشباب إلى سوق عمل بعيد عن الأكل ومضار السمنة، فتوجهوا إلى افتتاح نوادٍ خاصة للرياضة، بكل أنواعها، والأهم هو توجه بعضهم إلى إنشاء أندية للأطفال من عمر سنة إلى 14 سنة، تشمل جميع أنواع الرياضة، ما سيخلق جيلا رياضيا منذ سنوات الطفولة الأولى، وهذه هي مرحلة التأسيس المهمة في حياته.

وهناك من اتجه إلى زراعة المحاصيل الزراعية الخالية من الأسمدة الكيماوية، أي الزراعة العضوية "الاورجانك"،

وفتحت محلات ومطاعم تقدم أطعمة كلها معتمدة على هذا الإنتاج الزراعي النظيف، وهناك من قام بفتح كافيهات تقدم عصير الخضراوات، وهو "الترند" الجديد والصرعة العالمية للعودة إلى الطبيعة، بإحلال الخضراوات بدلا من أكل اللحوم الحمراء والبيضاء المشبعة بالهرمونات، أو لحوم الأسماك المتلوثة بالزئبق، ومقاطعة الملح والسكر نهائيا، ما يدل على تغير الوعي الصحي لدى الشباب.

قفزة الوعي هذه حتما ستؤدي إلى تغيرات تصحح طبيعة ونوعية التغذية المستقبلية في الكويت، وهذا الوعي بات ثقافة صحية رياضية جديدة تجتاح الشباب الكويتي وتنتشر منهم لأهاليهم ومعارفهم.

شيء جميل أن تصبح التجارة والكسب في مصلحة صحة الإنسان، وليست ضده، ثقافة سلوكيات الوعي الصحي الجديد ستجتاح الكويت وتغطيها في السنوات المقبلة، ومنها كالعادة ستنتقل العدوى إلى جيراننا الأعزاء الذين ينظرون إلى الكويت كمصدر "للفناتك".