تفتح رواية «نساء في الجحيم» جراح الماضي عن حرب الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي وتسترجعها كذاكرة مثقلة بهموم الحرب ومخلفاتها، ثم تسقط ذلك الواقع المر على الواقع الفلسطيني الحالي ليكون صورة ودلالة كبيرة على الشقاء والبؤس اللذين وصل إليهما الوضع في فلسطين، ومعاناة المرأة الفلسطينية وأهلها من قساوة ظروف الحياة وقساوة الاحتلال الإسرائيلي، من خلال سرد ذكريات مجموعة من الفلسطينيات ومنهن الأسيرات وأطفالهن في السجون.
صراع وتناقضات
تختزل الرواية واقع المرأة الفلسطينية ومسيرتها النضالية عبر التاريخ وتشبثها بالأرض رغم التهجير والقمع، وتصل الأحداث إلى ذروتها في تصوير أزمة الإنسان المعاصر التي يعيشها بين الأنا والآخر، والصراع النفسي الداخلي الذي يتخبط فيه، صراع الأنا مع الذات ومع الآخر، وما ينتج عنهما من تناقضات على مستوى الفكر والهوية والمصير. لتنتهي الرواية إلى إبراز قيمة الحب والنضال الإنسانية من خلال آخر رسالة مرثية كتبتها «غادة» العاشقة لأجل الحب والنضال والسلام، كمعالم لتحرير الإنسان من الأطر الفكرية التي تقيّــده.تهجير وتشرّد
حول الرواية يقول الناقد الجزائري عبدالله لالي: «في هذه الرواية أظهرت عائشة بنّور تمكناً فنيّا ًكبيراً في حياكة عالمها السّردي، الذي جعلت منه، جنّة حافلة بأنواع الفنّ والأدب والفكر كافة، رغم كلّ الوجع والألم الذي رافق أبطال الرواية ووشح فضاءاتهم المريرة، وكان السّرد في غالبيته دفقاً متتابعاً من التأمّلات والاسترجاع للأحداث على ألسنة عدّة شخوص، تقمّصوا دور البطل الذي يتولى السّرد المرير والحكي الأليم.تحكي الرواية مأساة الشعب الفلسطيني المنكوب مرّات عدّة، في التقسيم والنزوح إلى داخل الوطن وفي التهجير بعد الاحتلال الكامل، والتهجير بعد التهجير من بيروت إلى سورية، ثم إلى أرض الشتات في كلّ مدن العالم، ومنها مصر وفرنسا وإسبانيا، وغيرها من مدن العالم المستمتع بالدراما الفلسطينيّة الحيّة، وتمثّل هذا التهجير والتشرّد بشكل مكثّف في صورة أسرة غسان كنفاني، وأيلول بطلة الرواية الأساسيّة التي روت المأساة في فصولها، رغم تقنيّة تعدد الراوي التي تبعتها المؤلّفة.ومزجت الكاتبة مزجا ًمتقناً ورائعاً بين مأساة الشعب الفلسطيني ونضاله في سبيل حريّته، وبين نضال الشعب الجزائري وثورته التحريريّة التي ضربت فيها أمثلة حيّة من البطولة النّادرة، والشجاعة الخارقة التي تتجاوز العوائق والعقبات كافة التي تسمّى خداعاً مستحيلاً، وأثبتت التجارب ألا مستحيل مع إرادة الإنسان الحرّ وعزيمته.تنقلت مشاهد الرواية من «اللّازمة» التي سمتها المؤلّفة «اللحظة الخرساء» وتكرّرت في الرواية أكثر من عشرين مرّة وكانت عنواناً لأحد الفصول أيضاً، وهي لحظة تفجير بيت البطلة أيلول وفي داخله أسرتها المكوّنة من الأب والأم والأخ الرّضيع الذي تفحّمت رضّاعته على شفتيه من شدّة الانفجار، إلى الهجرة إلى دمشق حيث الملاذ الآمن إلى حين، ثمّ إلى إسبانيا حتى تكون الخاتمة بسماع مقتل غسان كنفاني في تفجير مشابه، لتتكرر اللّحظة الخرساء بشكل يكاد يكون متطابقاً، وخلال كلّ فصول الرواية تحضر الجزائر وثورة الجزائر رديفاً حيّاً، يكاد يكون التوأم السِّيامي للثورة الفلسطينيّة، ويتداخل السّرد حتى يفقد معه القارئ، في بعض اللّحظات، الشعور بهويّة البطلة الحقيقية. هل هي فلسطينيّة أم جزائريّة؟!».بنود في سطور
عائشة بنور من مواليد 1970 – الجزائر. درست في جامعة الجزائر علم النفس. هي مدققة لغوية وعضو لجنة القراءة بدار الحضارة للنشر والتأليف والتوزيع. تكتب القصة القصيرة والرواية وقصص الأطفال، ومارست الكتابة الصحافية وساهمت بمقالات ودراسات حول قضايا المرأة والطفل. هي عضو في رابطة إبداع الثقافية، وشاركت في ملتقيات أدبية عدة (الملتقى الوطني للأدب بسعيدة مارس 1991، الملتقى الثالث للأدب بمليانة1991، الملتقى الأول للأدب والسياحة بحمام ملوان 2000...)، ونالت جوائز عدة في القصة القصيرة، وكرمتها بلدية بئر التوتة في 8 مارس 2014، والصالون الدولي للكتاب من دار الحضارة 2015.ساهمت في مؤلفات عدة من بينها «موسوعة العلماء والأدباء الجزائريين»، و»موسوعة الأمثال الشعبية»... الخ. وصدرت لها عن «اتحاد الكتاب العرب» في دمشق قصص للأطفال برفقة الروائي رابح خدوسي، تتصدرها مقدمة للدكتور يوسف عبد التواب (مصر).لهـا المنشورات التالية: «نساء يعتنقن الإسلام»، «قراءات سيكولوجية في روايات وقصص عربية»، «الموؤودة تسأل .. فمن يجيب؟»، «مخالـب»، «السوط والصدى»، «اعترافات امرأة»، «سقوط فارس الأحلام»، «سلسلة حكايات شعبية»، «الأميرة السجينة»، «الفرسان السبعة والأميرات». وكلها مترجمة إلى اللغة الفرنسية.