حتى لو أقسم دونالد ترامب بكل المقدسات لديه بأنه بتعليق دخول مواطني سبع دول إلى بلده الولايات المتحدة لا يستهدف المسلمين فلن يصدقه أحد وأنه هو أغلب الظن لن يصدق نفسه، إذْ إن ما كان قاله وأعلنه جهاراً ونهاراً خلال معركة الانتخابات الرئاسية يؤكد هذه الحقيقة، وهذا في حقيقة الأمر تمييز ديني لا تقره القوانين الأميركية، بل ترفضه رفضاً قاطعاً.

إنه لا يمكن إنكار أن الدول التي شملها إجراء ترامب، سورية والعراق واليمن والسودان وليبيا والصومال وإيران، تعاني حالة فوضى أمنية تجعل أن هناك إمكانية لتسلل وتسرب إرهابيين إلى الولايات المتحدة مما يعني أنه من حق أي دولة مستهدفة أنْ تُطبِّق الإجراءات التي تحميها وتحمي شعبها من هذه الآفة الكونية، ولكن بدون أن تكون عقوبات جماعية تشمل جميع سكان هذه الدول الآنفة الذكر من غير تمييز ولا تدقيق بين بريء ومذْنب!

Ad

والملاحظ أن كل الدول المستهدفة باستثناء إيران هي دول عربية، من بينها العراق الدولة التي لايزال فيها وجود أميركي وعسكري... وأيضاً سياسيٌّ فاعل، وهذا لا يمكن أنْ يُفسَّر إلا على أنه استهداف للعرب كعرب، مما قد يجعل معظم أهل هذه المنطقة الحيوية التي تعتبر منطقة مصالح استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة يشعرون بأن هذه الدولة الكبرى التي من المفترض أنها صديقة تعاديهم كأمة وكقومية وهذا بالإضافة إلى عدائهم كمسلمين.

وهنا فلعل دونالد ترامب، الذي أصبح رئيس أهم وأقوى وأكبر دولة في العالم، لا يعرف أنَّ آفة الإرهاب المتفشية الآن في هذه المنطقة (البائسة) كانت قد عانتها معاناة حقيقية دول كثيرة في الكرة الأرضية كلها من بينها دول أميركية – لاتينية ودول أوروبية، ففي إيطاليا كانت هناك الألوية الحمراء، وفي ألمانيا "الغربية" كانت هناك منظمة بادر- ماينهوف، وفي فرنسا حدِّث ولا حرج، وكذلك في بلجيكا وبعض الدول الأخرى.

ثم إن المفترض أن ترامب، بعدما أصبح رئيساً لأهم وأكبر دولة في العالم، قد تخلىَّ عن اهتماماته العبثية السابقة وأصبح يعرف أنَّ موجة الإرهاب التي ضربت العديد من الدول الأوروبية قد نفذها مجرمون يعتبرون مواطنين أوروبيين يتحركون في دول الاتحاد الأوروبي كلها بحرية تامة وبدون الوقوف على أي حدود... وهؤلاء بصورة عامة هم أحفاد أولئك الذين اكتووا بنيران الاستعمار الغربي والاستعمار الفرنسي بصورة خاصة، ففرنسا استعمرت الجزائر استعماراً إلحاقياً مئة واثنين وثلاثين عاماً، واستعمرت كل دول المغرب العربي التي صدَّرت إلى الدولة المُستعمِرة عمالة رخيصة أنجبت جيلاً يشعر بضياع الهوية وبالدونية، وهو هذا الجيل الذي تمكن "داعش" من اختراقه والذي لم يجد ما يثأر من خلاله لنفسه وأهله وبلده وشعبه إلّا هذه الجرائم الإرهابية المدانة والتي لا يمكن تبريرها على أي حال!