يفيض كتاب «الكوندي لوكانور» بحكايات ومواعظ شعبية معروفة جمعها وصاغها وكتبها المؤلف الإسباني الأمير دون خوان مانويل عام 1335. وجاءت بقالب أدبي يشبه حوارات ومسامرات شخصية بين بطلي الكتاب: الكوندي لوكانور ومستشاره باترونيو.

الكتاب رغم أهميته لم يحظ سابقاً بترجمة إلى العربية، ما عدا نصوص قليلة منه مترجمة نشرت في بعض المجلات الأدبية. مشروع «كلمة» أصدر الترجمة العربية الأولى الكاملة له أخيراً مستخدماً طبعة معاصرة للنص مع مقدمة مطولة عن حياة المؤلف وظروف تأليف الكتاب. واللافت إضافة تعليقات للمؤلف إلى الترجمة، فضلاً عن تسلسل تاريخي عام حافل بالمعلومات، بالإضافة إلى هوامش عدة مكملة، وهي على كثرتها، تعد مرجعاً لا غنى عنه لفهم واستدراك مناطق وزوايا غامضة من الكتاب.

Ad

توليفة حكائية

بأسلوب لافت وقبل أن ينطلق الكاتب بسرد أي حكاية، يسأل الكوندي لوكانور مستشاره في معضلة ما، فيشير باترونيو إلى سيده بالصائب منها مستعيناً بمثال ما أو موعظة أو حكاية متداولة.

في الجزء الأول تجد 51 قصة وحكاية وموعظة هي الأمتع والأغزر بالمعلومات والمصادر والمؤثرات الشعبية الإسبانية أو العربية الإسلامية الواضحة. بعد ذلك أضاف المؤلف في فترات لاحقة أجزاء أخرى إلى الكتاب الأصل، ليكون الكتاب بأكمله مؤلفاً من خمسة أجزاء كاملة. والأجزاء الأربعة الأخرى للكتاب تركز على طبيعة الأمثال والأقوال الشائعة آنذاك أكثر من اهتمامها بالحكايات والقصص الشعبية، كما هي الحال في الجزء الأول.

ويهتم المؤلف بالتوليفة الحكائية والأمثلة من دون أن يتناسى ما كان شائعاً في زمنه ككتب وعظية تعليمية ومثالية هادفة إلى الإصلاح والتقويم. ويضم بين دفتيه التراث المحكي والشفهي الذي أورثه العرب المسلمون والشعوب الأخرى التي تناوبت على العيش في شبه الجزيرة الإيبيرية التي عرفت لاحقاً حتى اليوم باسم إسبانيا.

المؤلف والمترجم

ولد المؤلف خوان مانويل في مدينة إسكالونا عام 1282 وتوفي في قرطبة عام 1348، وهو أمير ومحارب وسياسي وكاتب إسباني من القرون الوسطى. عاش غالبية تلك الأوضاع المتأزمة في زمن الوجود العربي في إسبانيا (الأندلس). ورغم نسبه الأميري ونفوذه الكبير فإنه لم يستطع الظفر بتطلعاته الشخصية التي كان يأمل من ورائها أن يصبح ملكاً على إحدى ممالك إسبانيا المستردة من سيطرة العرب المسلمين. مع هذا كان شخصية معتبرة وذات سلطة ونفوذ، وصار أحد أعمامه ملكاً مهيباً آنذاك وهو الملك «ألفونسو العاشر» الحكيم الذي تعلم ودرس على يديه ونقل عنه كثيراً في كتبه التي كتبها أثناء فترات العزلة والنفي والراحة ما بين المعارك الشخصية التي شارك فيها.

ورغم شهرته السياسية ومكانته في علية القوم، فإن شهرته جاءت من كتبه التي من بينها: «الأحوال» و»القنص» و«الأبد»، لكن أكثرها شهرة «الكوندي لوكانور» الذي يعد بمنزلة سفر في الأمثال والمسامرات والحكايات المفيدة.

أما مترجم الكتاب، عبدالهادي سعدون، فقاص وروائي ومترجم من العراق، ولد في مدينة بغداد عام 1968، ودرس الأدب واللغة الإسبانية في جامعة بغداد وأتمها في جامعة مدريد المستقلة. مارس الصحافة والترجمة والكتابة في غالبية الصحف العربية والإسبانية، كذلك أدار مجلة «ألواح» الثقافية في مدريد، ويشرف اليوم على سلسلة «الأدب العربي» المترجم إلى اللغة الإسبانية في دار نشر بيربوم.

نقل من الإسبانية إلى العربية أكثر من 20 كتاباً لأهم أدباء إسبانيا وأميركا اللاتينية أمثال: بورخيس، وغارسيا لوركا، وأنطونيو ماتشادو، ورفائيل ألبرتي، وبيثنته الكساندري، كذلك نقل من العربية إلى الإسبانية ثلاث أنطولوجيات شعرية عربية معاصرة. أصدر أيضاً أكثر من 15 كتاباً في القصة والشعر والرواية، من بينها: «تأطير الضحك» 1998، «انتحالات عائلة» 2002، «حقول الغريب» 2010.

يُذكر أن «كلمة» مبادرة أطلقها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في عام 2007 بهدف إحياء حركة الترجمة في العالم العربي ورفع معدلات القراءة في اللغة العربية على المستويين المحلي والإقليمي، إلى جانب تنظيم الفعاليات والأنشطة المتصلة بالترجمة. ويتبع المشروع «هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة»، ويختص بترجمة ونشر مختارات واسعة من الآداب والعلوم الإنسانية العلوم بهدف تقديم خيارات واسعة من القراءة للقراء العرب، خصوصاً الأطفال والشباب. ووصل عدد إصدارات المشروع 900 كتاب في عام 2016.