«ساكسو بنك»: هل يحتاج الاقتصاد الأميركي إلى ترامب حقاً؟

«فقاعة تخمينات بمجرد إدراك المستثمرين عجز الرئيس الجديد عن الالتزام بتعهداته»

نشر في 01-02-2017
آخر تحديث 01-02-2017 | 00:02
 الرئيس الأميركي دونالد ترامب
الرئيس الأميركي دونالد ترامب
يشكل تأثير ترامب فقاعة من التخمينات غير المؤكدة التي، كما هي الحال مع مختلف الفقاعات الأخرى، ستنفجر في نهاية المطاف بمجرد أن يدرك المستثمرون عجز الرئيس الجديد عن الالتزام بتعهداته.

وحتى الآن، وحسب تقرير صادر عن "ساكسو بنك"، تجلى التأثير الفوري الأكثر وضوحاً لانتصاره في ارتفاع أسعار الفائدة (50+ نقطة أساس على عائدات السندات المستحقة بعد 10 سنوات منذ 8 نوفمبر). وترقّب المستثمرون بالفعل توجه سياسة ترامب الاقتصادية نحو التضخم، ومع ذلك، لا يمكن تبرير تراخي السوق نظراً للسياسات الحمائية التي أعاد تأكيدها بعد انتخاب الرئيس الجديد في خطاب تنصيبه ("ينبغي علينا حماية حدودنا من الويلات التي أصابت الدول الأخرى التي تصنع منتجاتنا، وتسرق شركاتنا وتدمّر وظائفنا"... "اشتروا البضائع الأميركية واستأجروا العمال الأميركيين").

ويمكن أن تشكل العودة إلى الواقع خطوة قاسية للمستثمرين، كما هي الحال في عالم تسوده العولمة، وستصبح الحمائية مسألة مكلفة اقتصادياً بالنسبة لدولة تضعها موضع التنفيذ على نطاق واسع.

1- الاقتصاد الأميركي لا يحتاج إلى ترامب حقاً

السؤال الأول الذي يطرح نفسه هو مدى حاجة الاقتصاد الأميركي حقاً لوجود ترامب. ويظهر سجل الأداء الاقتصادي لسنوات رئاسة أوباما ملامح إيجابية إلى حد بعيد:

- المؤشرات الاقتصادية متينة جداً: غادر باراك أوباما وجانيت يلين والاقتصاد يعيش حالة صحية جيدة نوعاً ما، وشهد في كثير من الأحيان قوة أكبر مما سبق في عام 2008، وخاصة فيما يتعلق بالقطاع المالي.

- سوق العمل قريب من التشغيل الكامل: على مدار العامين الماضيين، أوجد سوق العمل 4.9 ملايين فرصة عمل، مما أدى إلى معدل بطالة بنسبة 4.7 في المئة. ويعتبر عدد مطالبات البطالة الأولية (المعدل المتحرك على مدى أربعة أسابيع) الأدنى من نوعه منذ عام 1973، على النحو المبين في الرسم البياني أدناه. وحتى بالنسبة لفئات من الأشخاص الأكثر تأثراً في العادة من حالة عدم الاستقرار، تمت ملاحظة تحسن واضح على مدار الأشهر القليلة الماضية، ونتيجة لذلك، وللمرة الأولى منذ أن انخفض عدد الأميركيين العاطلين عن العمل ممن تتراوح أعمارهم بين 25 و34 عاماً إلى أقل من 22 في المئة بنهاية 2016؛ وهي المرة الأولى منذ سبتمبر عام 2008.

ومع ذلك، وعلى الرغم من التحسن الأخير، بقي معدل مشاركة سوق العمالة على انخفاضه (62.7 في المئة في ديسمبر)، مما يعني أن الاقتصاد الأميركي بالتأكيد لم يصل إلى نطاق العمالة الكاملة، على الرغم من عدم صعوبة تحقيق هذه الغاية.

- التضخم "الجيد" عاد مجدداً: خلافاً لمنطقة اليورو، لم ينجم ظهور التضخم عن ارتفاع أسعار الطاقة وحسب، بل بسبب زيادة متوسط الأجور (0.4+ في المئة في ديسمبر)، والناجم عن الصعوبة التي واجهها أصحاب العمل في العثور على الموظفين ذوي الكفاءة، وبدأ ميزان القوى بين أصحاب العمل والموظفين بالتحول تدريجياً لمصلحة الموظفين ليطلق إشارة إيجابية نوعاً ما. ويمكننا تلمّس قدرة ارتفاع معدلات التضخم (المتوقع عند 2 في المئة في عام 2017) على تخفيض أعباء الديون للعائلات الأميركية (نحو 12.29 تريليون دولار) والحد من المخاطر المرتبطة بفقاعة التعليم بالولايات المتحدة الأميركية (والتي تمثل أكثر من 1.23 تريليون دولار وفقاً لبنك الاحتياطي الفدرالي).

ومع ذلك، لم تكن إنجازات أوباما متميزة على الدوام، إذ يتجلى إخفاقه الاقتصادي الأبرز في عجزه عن محاربة ارتفاع معدل عدم المساواة، الذي يعد بدوره من أبرز العوامل التي دفعت ترامب نحو تحقيق الفوز بالانتخابات. وفي الواقع، فإن حصة الدخل التي يمتلكها الأغنياء 1 في المئة وصلت مجدداً إلى أعلى المستويات التي شهدتها في نهاية ثلاثينيات القرن العشرين (حوالي 17 في المئة)، في حين خاضت مراحل هبوط مستمرة من منتصف عشرينيات القرن العشرين حتى منتصف سبعينيات القرن نفسه.

وتبدو التدابير الاقتصادية التي اقترحها ترامب عاجزة بشكل واضح عن معالجة مسألة عدم المساواة، والذي يمكن أن يؤدي بسرعة إلى إيجاد حالة استياء في قاعدته الانتخابية. وفي الواقع، ينطوي اثنان من التدابير الاقتصادية فقط على منطقية اقتصادية: خطة الإنفاق على البنية التحتية، والتخفيضات الضريبية- بدرجة أقل.

وتستند خطة الاستثمار في البنية التحتية بقيمة 1.5 تريليون دولار على توصيات الجمعية الأميركية للمهندسين المدنيين، والتي تشير إلى ضرورة إنفاق قرابة 3.6 تريليونات دولار بحلول عام 2020 للحفاظ على الحالة الجيدة للبنية التحتية القائمة، ويعود تاريخ بعضها إلى عهد آيزنهاور.

ويمكن أن يلعب هذا البرنامج دوراً مساعداً في تعزيز القوة الإنتاجية، والتي تمثل تحدياً على المدى الطويل للنمو الأميركي، ويمكنها إطالة أمد الدورة الاقتصادية؛ ولكن لا توجد أي ضمانة على تنفيذها. ويستند ذلك إلى حسن نية الكونغرس والحزب الجمهوري، ورأى الرئيس ترامب بداية ضرورة قيام القطاع الخاص بتمويل استثمارات البنية التحتية بشكل كامل، ولكنه غير نبرته مؤخراً ودعا إلى اللجوء للاقتراض عبر إصدار سندات خزينة مستحقة لـ50 و100 عام.

وعلى الرغم من أن الحزب الجمهوري يتبع نفس خط الرئيس فيما يخص إلغاء برنامج "أوباما كير"، يمكن أن تظهر العديد من الخلافات سريعاً بشأن هذا البرنامج، مما سيزيد حتماً من حجم الدين العام الأميركي. ومن هذا المنطلق، يمكن أن يعتبر بول رايان، المتحدث باسم مجلس النواب الأميركي، القائد الحقيقي للمعارضة خلال الفترة الأولى من رئاسة ترامب.

2- حقبة جديدة من الصراعات

النقطة الثانية التي ينبغي طرحها هي النظر في العلاقات التي سيقيمها ترامب مع شركائه الرئيسيين. وللتذكير فقط كمرجع في المستقبل، نورد اقتباس ترامب المفضل من الإنجيل: "العين بالعين، والسن بالسن". ومن شبه المؤكد أن يكون عهد ترامب بداية لحقبة جديدة من الصراعات، على الصعيدين المحلي والخارجي. الرئيس الأميركي، وقبل كل شيء، رجل أعمال (وليس "رجلاً مجنوناً" كما وصفه أحد زملائي البلجيكيين). وهو خبير في اغتنام الفرص ويفضل الاستفادة من التحالفات التي تنطوي على مزيد من الفرص، إلى حد ما على النحو الذي تتبعه الصين، مما قد يربك بشدة الشركاء الأوروبيين للولايات المتحدة.

فيما يخص التجارة: ينصّب ترامب نفسه واحداً من أبطال الحمائية. وخلافاً لما قد يتصوره المرء، لا يعتبر هذا موقفاً بل قناعة راسخة من جانبه بكل تأكيد، وفي نهاية ثمانينيات القرن العشرين، تحدث علناً ضد اتفاقيات التجارة الحرة. وترتبط الحمائية بشكل وثيق مع التاريخ السياسي للولايات المتحدة. وخلال القرن التاسع عشر، بني التطور الاقتصادي للدولة على قدر كبير من الحمائيّة، وفي الفترة بين عامي 1812 و1849، ازداد متوسط التعرفة الجمركية من 25 إلى 40 في المئة، ولكن ذلك لم يمنع حصول زيادة كبيرة في الثروة.

ويمكن تفسير جزء كبير من نجاح التجربة الأميركية عبر نظرية حجم الدول، وينص ذلك على وجود فوائد تتدفق من الحجم الكبير لإحدى الدول استناداً إلى الاقتصادات ذات الحجم الكبير، وتحقق الشركات المحلية أداء أفضل في حال تمكنت من الوصول إلى سوق أكبر، وهذا يفضل مسيرة تطور قطاع التصنيع الأميركي بشكل أكثر تنافسية.

ومع ذلك، وفي عالم تسوده العولمة، لا يعد هذا الأسلوب صالحاً بعد الآن، وتتساوى الحمائية مع الضريبة التي ينبغي على العائلات تسديدها نظراً لارتفاع تكلفة المنتجات المستوردة. ومن الوهم الاعتقاد بإمكانية إنتاج صيغة جيدة من الألف إلى الياء في دولة متقدمة مثل الولايات المتحدة دون زيادة التكاليف.

وفي الوقت الراهن، يستهدف ترامب المكسيك، التي تعد هدفاً سائغاً، حيث تذهب 80 في المئة من صادراتها إلى الولايات المتحدة، ولكن الهدف الحقيقي للرئيس الجديد هو الصين التي ستكون خصماً لدوداً أكثر قوة. ويوضح أحد الأرقام التكاليف الاقتصادية لأي حرب تجارية بين بكين وواشنطن: وتسهم الصين والدول المصدرة للصين بنسبة 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (3.1 تريليونات دولار). وإذا لزم الأمر، فإن الصين أمام خيارين للتحرك ضد الولايات المتحدة:

- اتخاذ قرار بشراء قدر أقل من سندات الخزينة الأميركية، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة ويشكل مزيداً من الصعوبات أمام برنامج ترامب في مجال البنية التحتية.

- الإشارة إلى هيئة تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية في حال وقوع نزاع تجاري (مثل زيادة الرسوم الجمركية). وستمثل هذه الحالة عملية قانونية طويلة وشاقة، ولكن القرار سيكون ملزماً على الولايات المتحدة، وفي حال عدم امتثالها، يمكن أن يؤدي ذلك إلى خروجها من هذه المنظمة الدولية، ويعتبر ذلك خياراً اقتصادياً خطيراً لأن منظمة التجارة العالمية رديف داعم جيد للمصدرين الأميركيين.

back to top