أول ما يستوقفك ويسترعي انتباهك في «عمود فقري»، أن اسم وائل علاء، الذي عُرف كوجه إعلاني واشتهر بتقليد الفنانين أو الظهور بجانبهم بوصفه «سنيداً»، تصدر عناوين الفيلم ثم جاء بعده كل من علا غانم، وبيومي فؤاد، وإيناس النجار، والمخضرمون: عايدة رياض، صبري عبد المنعم، عبد الله مشرف، أحمد صيام وسليمان عيد، وهو ما يوحي بأن المنتج الجديد الذي تحمّس لتمويل الفيلم تربطه علاقة صداقة بوائل، أو يراه موهوباً ولم ينل حظه، فأراد أن يمنحه الفرصة، أو ربما كان واجهة لـ «وائل»، الذي لا أستبعد تمويله الفيلم «من الباطن»!

في الأحوال كافة جاءت النتيجة مُخيبة، ليس بسبب سوء سيناريو أحمد الشحري وحسن الصياد فحسب، أو إخراج إبرام نشأت الضعيف، بل لأن الفيلم فضح القدرات شديدة التواضع للمدعو وائل علاء، وأكّد مجدداً أن «التقليد» و«ستاند أب كوميدي» Stand-up Comedy هما أقصى ما يستطيع تقديمه، ولا ينبغي له أن يطمح إلى ما هو أبعد من ذلك!

Ad

«عمود فقري» عنوان ليس معبراً عن الأحداث، بل يمثل النقيض لمجرياتها، فالشاب الأربعيني «محمود رزق فتح الباب»، وائل علاء، الذي حصل على ليسانس الفلسفة من كلية الآداب بتقدير جيد جداً، وعانى البطالة ما اضطره إلى العمل ككبابجي وفران ونوبتجي في الأفراح، وسائق لدى «فهمي الكاشف»، أحمد صيام، عضو مجلس الشعب الفاسد، وعامل بوفيه في شركة «خالد عز الدين»، سامي مغاوري، للإعلانات، لم يواته الحظ سوى في اللحظة التي استجاب فيها لفكرة تشييد «عمود» في سطح البيت الذي يسكنه، ويُطل على الأهرامات، كواجهة إعلانية Out Door يمكن أن تدر عليه 50 ألف جنيه، وتغير حاله، وكاد يدخل قفص الزوجية، بعد خطوبة ربطت بينه وابنة حارته «سعاد»، علا غانم، واستمرت عشر سنوات، لكنه فوجئ بمقاطعة أهل الحارة له كونه «باع نفسه ومبادئه» عندما وظف «العمود» للدعاية للمرشح الفاسد!

لعثمة درامية مكتملة الأركان جعلت من الفيلم مجموعة «اسكتشات» تقودنا إلى الظنّ أننا حيال «شاب فقري» وليس «عمود فقري»، فالشاب هو من عثر على حقيبة في الحافلة، وعندما بدأ يفاوض الركاب على تقسيم المبلغ المالي في داخلها تبين أنها قنبلة، وبعدها قبض عليه، والحجة التي ساقها الضابط «حازم باشا»، أحمد رفعت، أن «من يبطل مفعول قنبلة فلا بد من أنه يعرف كيف يُصنعها». وهو أيضاً الذي يعطف عليه المعلم «رضا»، صبري عبد المنعم، وأوكل إليه قيادة سيارة «التاكسي» التي يملكها، وفي أول مشوار تم الاستيلاء عليها وتركوه بملابسه الداخلية، ثم طلبوا فدية تُقدر بعشرين ألف جنيه لإعادة «التاكسي». وهو الذي تواجد مصادفة في منزل رجل الإعلانات، الذي قتله المسؤول الكبير، فاتهم بالقتل وأصبح عليه أن يختفي عن الأعين حتى اللحظة التي يُثبت فيها براءته!

في فيلم «عمود فقري» تتوافر القوالب التقليدية المحفوظة كافة، والمواقف القديمة المستهلكة، والنظرة الأحادية النمطية، فابن الحارة شريف وشهم قانع بضرورة العيش الحلال، ودائم الصدام مع كل ما هو حرام، و«الجارة اللعوب»، شمس، تنتظر البطل أمام بابها بقميص النوم، وتغويه ليدخل شقتها، في عمارة تكتظ بالسكان، وحارة يصفونها بأنها شعبية. في المقابل، الأغنياء كلهم فاسدون لا يستثني السيناريو منهم أحداً. فرجل الأعمال «فهمي الكاشف» (محاولة فاشلة للتمسح في «فهمي الكاشف» رجل الأعمال في فيلم «الغول») عضو مجلس شعب فاسد، و«الصبراوي فرج» رجل النظام مغتصب لأراضي الدولة وتاجر سابق للآثار، والحزب يفوضه لتهريب العقاقير الجنسية وبيعها داخل البلاد. أما العبث الدرامي فيتمثل في مطاردة ملفقة، ومشاجرة مفتعلة، ورقصة فاجرة وأغنية شعبية هابطة، و«ابن بلد» يُذعن لرغبة خطيبته، ويرافقها إلى مقر عمله في «الكباريه»، وعندما ترقص مع المطرب ينتفض، ويُلقي «مونولوجاً» خطابياً زاعقاً، وعندما يموت صديقه «علي»، حسن عبد الفتاح، ينعيه بقوله: «عشت مذلولاً ومت مقتولاً»، في استعارة فجة لمقولة عزت العلايلي في «بئر الخيانة»!

في سياق كهذا تنهال عليك الإفيهات الغليظة، والكوميديا السخيفة، ويتراجع الأداء التمثيلي، خصوصاً من علا غانم التي صار التمثيل عندها «شرشحة» و«نشازاً» في الشكل والمضمون، وتتناسل الشخصيات العالة على الدراما (ميكانيكي السيارات، فريد النقراشي، وأم البطل، عايدة رياض، وشقيقته، إيناس النجار، التي تخشى العنوسة وصديقه، حمادة بركات، وسليمان عيد وعبد الله مشرف.. والوجه الذي وصفوه بأنه فنان المستقبل) باستثناء بيومي فؤاد، الذي ينجو من الفخ باجتهاده، الذي ليس للمخرج يد فيه، وهو يجسد شخصية «الجاحد» حرامي السيارات، الذي قرر أن يغير نشاطه ليصبح شريكاً للدولة. أما الإيقاع برجل الحزب والمسؤول الأريب بالتسجيل له، وهو يقر بتورطه في جريمة القتل لتحصل «سعاد» على براءة حبيبها، فهي الحيلة التي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن انهيار «عمود فقري» كان من داخله!