«الهدف هو إصلاح برامج الدعم الاستهلاكي والإنتاجي، وتخفيف الضغط على ميزانية الدولة لما ستحققه عملية الإصلاح من منافع تشمل التوزيع الأمثل للموارد الاقتصادية، وترشيد الاستهلاك من السلع المدعومة وذات الكلفة المرتفعة، وتخفيض مقدار حجم الدعم الحكومي، وبالتالي تقليص المصروفات، مما سيمكن متخذي القرار الاقتصادي من تسريع عملية الإصلاحات المالية والاقتصادية للدولة، وتحفيز الناتج المحلي، وتوفير استقراءات مستقبلية لحجم الطاقة الكهربائية المطلوبة، والتحول إلى الحكومة الإلكترونية».الفقرة أعلاه لم تكن اجتزاء من رؤية الكويت 2035 التي أطلقتها الحكومة هذا الأسبوع، ولا حتى من بيان لمجلس الوزراء خلال هذا الشهر أو العام الماضي أو حتى الذي سبقه، إنما من بيان حكومي صدر في عام 2001 عن لجنة إصلاح المسار الاقتصادي التي شكلت وقتذاك لمعالجة الآثار السلبية الناتجة عن انخفاض أسعار النفط، وتوفير البدائل الاقتصادية لتنويع الإيرادات وتقليص المصروفات.
اليوم والبارحة
وإذا كان يوم رؤية 2035 يشبه بارحة إصلاح المسار الاقتصادي، فإن ما بينها من الزمن قد ولد العديد من التوائم باختلاف الأسماء كمشروع تحويل الكويت مركزا تجاريا وماليا، وتقرير توني بلير، ودراسة اللجنة الاستشارية الاقتصادية، وتقرير ماكنزي، ودراسة آرنست آند يونغ، وخطتي التنمية الأولى والثانية، وغيرها العديد من دراسات المجلس الأعلى للتخطيط وصندوق النقد والبنك الدولي، وكلها حظيت بموافقة حكومية خلال نحو 16 عاما، إلا أنها لم تكن أكثر من طريقة لبيع وهم التنمية والتطور وشراء الوقت لأهداف في أغلبها بعيدة عن الحسابات الاقتصادية.وبالأمس القريب، أي في مارس 2016، طرحت الحكومة مشروعها لمواجهة انخفاض أسعار النفط عبر وثيقة الإصلاح ااقتصادي والمالي، لتكتشف خلال أقل من 10 أشهر أن هذه الوثيقة بحاجة الى «مراجعة شاملة بهدف إعادة هيكلتها وتضمينها مؤشرات وقياسات أوسع وآليات تمكن من تقييم الإجراءات ومتابعة معدلات الإنجاز»، وقبل ذلك بسنوات، أي في 2012 أعلنت الحكومة فشلها في تنفيذ خطة التنمية الأولى لغياب آليات المتابعة والمبالغة في التوقعات، مما يجعل التفاؤل بمشروع كـ «رؤية الكويت 2035» في أدنى مستوياتها.احتياجات الرؤية
وكي لا يتم الإفراط في التشاؤم، فإن مشروع الرؤية في مداه البعيد حتى عام 2035 يستلزم وجود عدد من الآليات التي تضمن تحقيق قدر ما من النجاح إذا كانت هناك جدية في المشروع، أولها أن ترتبط الرؤية بتقديم بيان فصلي وسنوي يتضمن ما تم إنجازه، ومقارنة المنجز بما تم التعهد به لاستعراض الخطوات أو المعوقات خلال الفترة محل الإفصاح، مع بيان التكاليف المالية، فهذه فرصة للتقييم ومعرفة أوجه النجاح أو الانحراف في تنفيذ أي مشروع، فضلا عن ربط الرؤية بأهداف الميزانية العامة من حيث خفض المصروفات وتنويع الدخل وخلق الوظائف، إضافة إلى تحسين الخدمات، فلا معنى من الحديث مثلا عن بناء مشاريع في ظل تضخم الإنفاق في غير مصلحة الميزانية السنوية.كذلك يجب ربط أهداف الرؤية مع المؤشرات العالمية كمؤشرات التنافسية الدولية، خصوصا في ما يتعلق بتطوير بيئة الأعمال وجودة التعليم وكفاءة سوق العمل والحرية الاقتصادية وغيرها من المؤشرات، خصوصا أن الكويت تراجعت خلال عام واحد 4 مراتب في تصنيف التنافسية العالمي، وبالتالي فإن العمل على تحسين أداء هذه المؤشرات سيحدث نتيجة طيبة لأداء الخطة ويكون رهانا على نجاحها.مزيد من القلق
الأجدر أن نشعر بالقلق من عام 2035 في ظل سياسات حكومية تتجه إلى حلول عالية المخاطر لمواجهة انخفاض أسعار النفط، ومنها التوجه الى سوق الدين العام لتمويل عجز الموازنة، دون أن يكون لدينا خطة حقيقية لمواجهة تحديات الاقتصاد، فالقلق هنا ليس من الاستدانة ولا حتى الفوائد المترتبة على تسعير أي إصدار، بل من الاتجاه المنطقي من الانتقال من مرحلة الفوائض المالية، ثم تسجيل العجز ولاحقا الاستدانة، مما يرفع من مخاطر التعثر في السداد خلال السنوات المقبلة إذا كانت إدارة الدين العام بعقلية إدارة الفوائض المالية نفسها، فضلا عن تحديات سوق العمل التي تتصاعد في ظل عجز الدولة عن خلق الوظائف في القطاع الخاص.مسؤولية أكبر
مطلوب التعامل مع أزمات الاقتصاد بمسؤولية أكبر وفهم أكثر لطبيعة مشكلات الكويت الاقتصادية، والتي تتجاوز مفهوم طرح مشاريع إنشائية بحملة إعلامية تصور الكويت كسنغافورة أو هونغ كونغ، فما نحتاج إليه على المدى المتوسط على الأقل هو وجود اقتصاد مساند وفق بيئة استثمارية، ويستقطب الشركات الأجنبية، ويحفز استثمار المحلية، ويحقق عوائد ضريبية، ويوفر فرص عمل، ويرفع من مستويات المنافسة، ويصعد بمؤشرات التنافسية، وهي أمور تحتاج إلى إدارة عامة واعية لا تكرر ما فشلت في تحقيقه على مدى 16 عاما على الأقل.