بعد أشهر من الجدل سيناقش كبار مسؤولي الإدارة مع نظرائهم المكسيكيين تعهدات ترامب خلال حملته بإعادة التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، وفرض رسوم جمركية على الواردات المكسيكية بغية الحد من انتقال وظائف المصانع الأميركية، وإرغام المكسيك على دفع كلفة بناء جدار على طول 3218 كيلومتراً من الحدود الأميركية-المكسيكية.

لا يكمن التحدي الحقيقي أمام فريق ترامب المفاوِض في تحقيق هذه الأهداف بحد ذاتها، بل في منع العلاقة الأميركية-المكسيكية من الخروج عن مسارها والاصطدام بكومة من العبارات الحادة والاتهامات المضادة. يخاطر ترامب بإثارة رد فعل شعبوي مكسيكي يؤدي إلى حكومة معادية للولايات المتحدة يقودها سياسي يطمح أن يكون هوغو تشافيز آخر ويستلم زمام السلطة عام 2018، ولا شك أن هذه النتيجة ستنعكس سلباً على ازدهار الولايات المتحدة وأمنها لسنوات.

Ad

لا عجب في أن تترتب على الطريقة التي ناقش بها ترامب مسألة المكسيك كلفة عالية: انتشار القلق والغضب بين المكسيكيين الذين كرهوا تحولهم إلى كبش فداء في الحملة الانتخابية الأميركية، وشعروا بالخيانة بعد تخطيهم عقوداً من الشك والريبة في نظرتهم إلى الولايات المتحدة، والعمل على ربط اقتصادينا معاً وتعميق تعاوننا في مجموعة من المجالات، بما فيها الأمن وعمليات مكافحة المخدرات.

علاوة على ذلك، جاء هذا الغموض الذي يلف العلاقات الأميركية-المكسيكية في أسوأ توقيت ممكن بالنسبة إلى الاقتصاد المكسيكي، فقد دفع التراجع في أسعار النفط الاقتصاد إلى دوامة عنيفة، حيث يواصل الدين العام كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي الارتفاع، في حين جُمّد الاستثمار الأجنبي فعلياً وسط عدم اليقين هذا، كذلك تدنت قيمة البيسو إلى أدنى مستوياتها خلال عقود، وانتشرت أيضاً أعمال الشغب والنهب، بعدما انتهك بينيا نييتو تعهده بعدم خفض دعم البنزين، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الوقود في المحطات بنسبة وصلت إلى 20% في بعض الأماكن.

تعرّض بينيا نييتو لضربة قوية في استطلاعات الرأي، فقد تراجعت شعبيته بنسبة 12%، وفي المقابل يمثل خطاب لوبيز أوبرادور العالي، الميل إلى القومية، ورفض السياسات المعتادة في المكسيك نوع القيادة الذي يود المكسيكيون أن تواجه ترامب.

يجب أن تشغل الاضطرابات الاقتصادية في جارتنا الجنوبية أي رئيس أميركي، لكن ما يجعل الوضع الحالي أكثر خطورة واقع أن المستفيد الأكبر من هذه الاضطرابات السياسي المكسيكي المعارض أندريه مانويل لوبيز أوبرادور، شعبوي يساري مثير للشغب يشبه الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز. يترشح أوبرادور للرئاسة المكسيكية (للمرة الثالثة) عام 2018.

أعلن أوبرادور قبل أيام الانطلاق بجولة في المدن الأميركية الكبرى في شهر فبراير، ولا شك أن مراجعة نافتا، تطوير سياسة هجرة تخدم حقاً المصلحة الوطنية، وتحسين الأمن الحدودي في عصر الإرهاب تشكّل أهدافاً محقة، ومن المؤكد أن ترامب مصيب باعتبارها أولوية، لكن التحاور المحترم والصارم مع جيراننا الجنوبيين، لا المواجهة، يشكّل الطريقة الأكيدة التي تتيح للرئيس ترامب تحقيق هذه الأهداف.

خوسيه كارديناس*

* «ناشيونال ريفيو»