أبعد من قرارات الحظر
هل كان قرار الرئيس ترامب بحظر اللاجئين ومنع دخول مواطني سبع دول لأميركا متوقعاً؟ الإجابة هي نعم، بل إن الإجراء المتخذ جاء أقل مما كان متوقعاً من منع عام لدخول المسلمين، كما قيل إبان الحملة الانتخابية.القرار حسب هالدين وماكيبين "عنصري بوضوح، وربما غير دستوري، كما أنه غبي بكل المقاييس"، حيث إنه يحقق عكس النتائج المعلنة للقرار. وكان لافتاً قيام ١٦ مدعياً عاماً للولايات بإصدار بيان، خلصوا فيه إلى أن القرار "غير دستوري، غير أميركي، وغير قانوني". كذلك اعترضت المدعية العامة الفدرالية على القرار، فكان أن انتقم ترامب منها بفصلها من وظيفتها المرموقة، ووصف فعلها بالخيانة والضعف، وربما لو كان الأمر عندنا، لربما وضعت جنسيتها على المحك. أما على مستوى الكونغرس فإن الأعضاء الجمهوريين الذين أعلنوا معارضتهم للقرار في ازدياد ملحوظ. ما أفصحت عنه الأزمة، في الأيام الأولى للرئيس ترامب، وكأنه مسلسل لتلفزيون الواقع، هو أن الولايات المتحدة، الدولة الأقوى في العالم، تمر في حالة انقسام حادة. وعندما تعطس أميركا، يصاب العالم بالزكام. هذه الأزمة ستعبر عن نفسها بأشكال مختلفة.
موضوع اللاجئين، بغض النظر عن كونهم مسلمين أو غير ذلك، يمس عصب التفكير الأميركي، فأميركا على أي حال بلد المهاجرين، وبالذات الفارين من معاناة اقتصادية أو إنسانية. على الضفة الأخرى من المحيط في بريطانيا اشتعلت أزمة ذات علاقة مباشرة بالموضوع. كان الاعتراض على الدعوة التي قدمتها رئيسة الوزراء لترامب لزيارة بريطانيا "زيارة دولة"، وهي بروتوكولياً أعلى أنواع الزيارات. اجتاحت المطالبات النيابية والشعبية بإلغاء الزيارة، وقارب عدد الموقعين على عريضة شعبية المليونين، وطالب ٩٠ نائباً حتى اللحظة بمنع ترامب من الحديث في البرلمان، والأزمة مازالت مستمرة.المعركة مستمرة على كل الجبهات، بين قيم الشعبوية، وقيم الانفتاح.هناك شعور معلن في أوروبا، وغيرها بأن ما يطرحه ترامب يمثل تهديداً لقيم العدالة والحرية والمساواة، أو ما يسمونه "القيم الأوروبية".وفي حين يشعر الاتحاد الأوروبي بالتهديد أعلن أعلى مسؤوليه أن التهديد للاتحاد يأتي من ثلاث جهات، ترامب وبوتين والمتشددين الإسلاميين، وهذه معادلة جديدة بالتأكيد، سيكون لها أثرها على القادم الاستراتيجي، لا التكتيكي فحسب.وماذا عن منطقتنا؟ أظن أننا غير معنيين بالمسألة، فنحن مشغولون ببعضنا جداً، وبقتل وتصفية طائفية أو عرقية أو غير ذلك، ومنع فئات معينة من الدخول أو حبسهم أو قتلهم، هي أمور اعتيادية لا أحد يلتفت لها كثيراً. ولذا فقد ينظر بعضنا لما يحدث بشكل إيجابي، فبدلاً من أن نتجه للإصلاح، فإن الدولة الأقوى في العالم هي التي تتجه صوبنا، وتعدل من قوانينها لتصبح مثلنا، وبدلاً من أن نصبح "كلنا في الهم شرق"، ندخل معنا الغرب كذلك.