في لقطتين، الأولى عامة والثانية متوسطة، يُشير المخرج عمرو عرفة، باختزال واضح، إلى أن أحداث فيلم «آخر ديك في مصر» تدور في حي مصر الجديدة الراقي، وفي عمارة «آل الديك»، التي تشهد حالة طلاق بين رجل وزوجة أذاقته الويل، ومن ثم راح الرجل يغذي لدى ابنه «علاء» (محمد رمضان) روح الكراهية لكل نساء الأرض، في القارات الخمس، اللائي لا يختلفن في طباعهن السيئة، واستفزازهن المروع، وطمعهن الزائد، وحبهن المرضي للمال، عن بعضهن البعض. ومن ثم ينشأ «علاء» عنصري النزعة، كارهاً للمرأة، وشديد التحفظ تجاه أمه «عفاف» (هالة صدقي) و{رانيا» (مي عمر) التي تعمل مندوبة تسويق، و{تريزا» (شيماء سيف) رئيسته في البنك الذي يعمل به. لكنه يحول شقته إلى «جرسونيرة» لأصدقائه: «سيكا» (محمد سلام) و{ثروت» (محمد ثروت) و{شيرين عبد الوهاب» (محمد علي رزق)، و{أستديو» لتصوير «الكليبات» المحرضة ضد المرأة، فيما يصف منزل العائلة، لحظة الاحتفال بعيد ميلاد جدته «بطة» (ليلى عز العرب) بأنه «دار مسنين»، حيث شقيقته المطلقة «شيرين» (إنجي وجدان)، وخالته «نوال» (انتصار) وزوجها «مديح» (أحمد حلاوة) وابنتهما «نهى» (ملك قورة) وبقية رجال العائلة الذين يخشون نساءهم، ويأتمرون بأوامرهن!مقدمة غليظة، وثرثرة تبعث على الضجر، تنتهي باتفاق رجال العائلة، بقيادة «مديح» على السفر إلى أسوان في رحلة صيد للتماسيح، وكأن أسوان تقع في غياهب إفريقيا. وفي مشهد ساذج الرؤية، ركيك التنفيذ، وسطحي الرسالة، تلتهم التماسيح الرجال، ولا ينجو سوى «علاء»، الذي يصبح «آخر ديك في مصر»، في نظر نساء العائلة!
يزخر الفيلم بكم من الفوضى والعشوائية والضجيج والإزعاج، بالإضافة إلى «الاستظراف»، خصوصاً من محمد رمضان، الذي بدا غريباً على جمهوره، تائهاً في أدائه، باحثاً عن نفسه، ومتناقضاً مع قناعات الشخصية الدرامية، التي بذل الكاتب أيمن بهجت قمر جهوداً كبيرة لإيهامنا بأنه «عدو المرأة»، فاحتياج أمه وجدته ونساء العائلة لوجوده بجوارهن جاء مفتعلاً، كذلك هجره شقته، كافتعال أداء الأم، والمبالغة في انفعالات الخالة عقب اكتشافها، في المقبرة كالعادة، أن زوجها تزوج من امرأة أخرى («أغاني» دينا)، جاءت وطفلتها من زواج سابق، تُطالب بـ «الستر» وليس «الإرث»، والزج غير المبرر بمندوبة التسويق في شؤون العائلة، وكأنها ابنتهم بالتبني، لمجرد أن المؤلف يمهد لزواجها من «آخر ديك في مصر»، وهو ما تحقق بالفعل في النهاية السعيدة، التي كفر فيها «علاء» عن ذنبه في حق نساء العالم، وأعلن على الملأ بأنهن «خير جند الأرض»!حبكة لا تختلف كثيراً عن تلك التي قدمها المخرج رضوان الكاشف في فيلمه الشهير «عرق البلح» (1998)، الذي توقف عند قرية هجرها رجالها، مُرغمين وليس بفعل التهام التماسيح، بحثاً عن الرزق في بلاد النفط، تاركين فتياتها ونساءها وسيداتها وعجائزها، في عهدة فتى غرير (محمد نجاتي). لكن شتان الفارق بين الفيلمين، فالسذاجة والسطحية والمبالغة والافتعال والثرثرة والتناقضات التي لم يخل منها «آخر ديك في مصر» لم يكن لها مكان في «عرق البلح»، الذي اتسم بالعمق والرصانة، وهو يتحدث عن الاحتياج، والاغتراب، واكتشاف الذات، والكبت، والقهر، والتمرد فيما راح المخرج عمرو عرفة يُداري قلة حيلته بتوظيف العدسات والمرشحات «الفلاتر» في مشهد إصابة «علاء» بالهلاوس عقب تعاطيه الأقراص المخدرة، والاستعانة بموسيقى «الفك المفترس» في مشهد التهام التماسيح للرجال في نيل أسوان، وتقسيم الشاشة إلى أكثر من «كادر»، واعتماده على «الاسكتشات» الهزلية للمؤلف (طرد «نهى» من الكلية بسبب تحرشها بالشباب/ ضياع الطفلة في الملاهي)، والتناقضات الفجة (العائلة تتعاطف فجأة مع زوجة الظل) و{المونولوجات» الطويلة التي تروي فيها كل امرأة في العائلة حجم الظلم الذي وقع عليها من الرجل). فالفيلم ينقلب على نفسه، ويحاول الإفلات من مصيره المأساوي بقصص إنسانية، كقصة الجدة التي وجدت نفسها مخيرة بين أن تكون «المطربة عايدة الشاعر» أو «الزوجة بطة الديك» لكنها ضحت واختارت أن تكون الثانية. إلا أنها قصص غير مشبعة، ومن دون عمق، ومن ثم مرت مرور الكرام ولم تترك في النفس أي أثر!«آخر ديك في مصر» فيلم يفتقد الروح، ويؤكد مجدداً، بعد تعثر تجربة «واحد صعيدي»، أن محمد رمضان فقد الكثير من لياقته باقترابه من «الكوميديا»، التي لا يجيدها، وأنه خسر كثيراً عندما استجاب للنصائح التي طالبته بمغادرة ملعبه... و{خاب من استشار»!
توابل - سيما
«آخر ديك في مصر»!
03-02-2017