بعد مرور ما يقرب من 10 سنوات على الأزمة المالية العالمية، لايزال الانتعاش الاقتصادي مخيبا للآمال، ولا يبدو أن هناك عوامل تساعد في تدعيمه ولا حتى برامج التحفيز الهائلة أو معدلات الفائدة المتدنية.ويبدو أن صناع السياسات من واشنطن حتى طوكيو يتفقون على أنه لا توجد سوى إجابة واحدة متبقية، وهي "الإصلاح الهيكلي"، مع تزايد الحديث عن تعديل قوانين الضرائب، وتخفيف القواعد التنظيمة، وإحياء السياسات الصناعية، وفق تقرير لـ "بلومبيرغ".
تجربة مشجعة... ولكن!
- نفذت حزمة من الإصلاحات المثيرة للإعجاب خلال ثمانينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا، وأسهمت في تحويل هذه البلدان من اقتصادات مختلطة إلى اقتصادات يقودها السوق.- يتفق الاقتصاديون على أن هناك حاجة الآن إلى أمر مشابه لما حدث قبل نحو 3 عقود، حيث تسهم الإصلاحات المستهدفة في تيسير التوظيف والتسريح، وزيادة القوة العاملة، وخفض اللوائح التنظيمية، والحد من دعم الشركات الحكومية.- الاعتقاد بأنه يمكن بكل سهولة تكرار نجاحات رونالد ريغان ومارغريت ثاتشر، ليس من الصواب، نظرا للطبيعة المختلفة للعصور، فقد كانت ظروف الاقتصاد الكلي آنذاك أكثر ملاءمة بما في ذلك ارتفاع النمو وانخفاض الديون.- في الوقت نفسه، تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الحقيقية لم يعد سهلا، ويظل البيروقراطيون مقاومين أكثر من أي وقت مضى لتبسيط القواعد واللوائح التنظيمية.- مازالت الصناعات تخشى التعرض للمنافسة، وأي محاولة لتقليص شبكات الأمان الاجتماعي، أو تقليل حماية المستهلك والبيئة تثير صيحات من الاحتجاج.عثرات وتشابكات
- فوائد هذه التدابير غير مؤكدة، ويجب أن تقاس على فترات طويلة، بينما التكاليف عادة ما تكون فورية وملموسة، أخذا في الاعتبار أن الأجور وظروف العمل في الصناعات التي تتعرض لمنافسة قد تنخفض بسرعة.- تكاليف إعادة الهيكلة في كثير من الأحيان تقع على العمال الأقل مهارة والفئات الضعيفة الأخرى، في حين تستفيد فقط مجموعة صغيرة من العمال والمديرين المهرة، والبيئة السياسية الحالية هي بالكاد مواتية لمثل هذه المفاضلات.- العديد من الإصلاحات التي تجرى مناقشتها لها أهداف متضاربة ومتنافرة، فجهود تعزيز التجارة وانتقال العمالة تشتبك مع المخاوف إزاء القومية وأمن الحدود، بينما القيود على الاستيراد وإعانات الصناعة ستقلل الكفاءة وتزيد التكاليف.- المناقشات الأيديولوجية العميقة إزاء دور الحكومة وفاعلية الأسوق تهيمن على النقاشات دون الاعتبارات البراغماتية، وهذا الأمر يشكل مشكلة عندما يكون هناك حاجة للتنسيق بين الحكومات الوطنية والإقليمية والمحلية (كل منهم ينتخب بشكل منفصل).- تتشكل هذه العقبات أمام جهود الإصلاح، بينما لاتزال داخل نطاق دولة واحدة فيما هناك حاجة إلى توسيع نطاق التنسيق للصعيد العالمي، تزامنا مع احتمال تأثر الموازين التجارية سلبا بفعل الانفتاح على السلع الأجنبية. - في ظل التحول الحالي نحو الحمائية وحروب العملة سيكون أي تعاون محتمل بعيد المنال، والحقيقة أن في عالم نسبي سيكون من غير الممكن للجميع اكتساب ميزة حاسمة من التغييرات الهيكلية.- أخيرا، حتى إن كان صناع السياسة لديهم قدرة على تجاوز هذه العقبات بطريقة ما فإنهم مازالوا يركزون على هدف خاطئ، فقد تم تصميم الإصلاحات الهيكلية لتحسين جانب العرض في الاقتصاد من خلال زيادة الكفاءة والإنتاجية.- في عالم يعاني الإنتاج المفرط في العديد من القطاعات، فإن المشكلة لا تتعلق بالعرض وإنما بضعف الطلب، ويعود ذلك لعدة عوامل مثل انخفاض الأجور والديون والتركيبة السكانية وعدم اليقين بشأن المستقبل.- التجربة الأكثر شجاعة كانت في نيوزيلندا عام 1984 تحت إدارة حكومة يسار الوسط، حيث قاد وزير المالية روجر دوغلاس إلى زيادة الإنفاق وخفض الضرائب والدعم والرسوم الجمركية وبيع بعض الأصول وتخفيف القيود عن الصناعة.- مع ذلك، ليس من المرجح نجاح الإصلاحيين هذه الأيام في تحقيق نتائج جيدة إلى حد كبير.