أنا لا أحد، لا شيء... أنا مجرد "الكومبارس" في حيوات أكثر أهمية وقيمة من حياتي الهامشية. أنا النعت التي يتلفظ به كوصف للغباء والبلادة. أنا وجه مكرر دون ملامح، دون اسم... مجرد جنسيةٍ ما مهمتها خدمتك والسهر على راحتك. أنا من يكنس القاذورات ومعها أحلامي أسفلك. وُعِدْت بأرض الأحلام هذه حيث الماء النظيف والمال الوفير لأطعم أطفالي. حيث لا جوع... ولا رجوع! هذا ما اكتشفته حال وصولي إلى هنا وإلقائي على قارعة الطريق بلا عمل لعدة شهور، بعد أن سلب تجار الإقامات جميع مدخراتي وحجزوا جوازي، فصرت كالعبد لا أملك حتى حق الحركة والسفر. أجري المتواضع لا يتعدى مئة دينار – إن زاد أو نقص- وعلى الرغم من ذلك يستكثره عليّ البعض. أتسلمه أحياناً ويُمسك عني أحياناً أخرى لأشهر متتالية، أعيش فيها على صدقات أهل الخير وإكراميات أهل الكرم لتعبئة وقود سياراتهم أو حمل مشترياتهم. لا أستطيع العودة إلى بلدي، فأنا عالق في هذه الدائرة السوداء المفرغة.
أنا أخوك في الإنسانية، أنا مَن فضّل العمل في بلدك "المسلم" الشقيق على الاغتراب، وإذا بي أباغت بشتى أشكال العنصرية والاستهزاء وأتعرض لها بشكل يومي. أنا المعلم الذي يدرسك فتسخر منه، والطبيب الذي يسهر على راحتك فتتعدى عليه... أنا العامل الذي يستقبل وابل إهاناتك بابتسامة فلا خيار لدي، أنا المقيم الشقيق الذي تحول "وافداً" بكل ما تحمله الكلمة من ازدراء.تتهمني بمزاحمتك في بلدك، كيف وأنت ترفض العمل في الكثير من الوظائف الفنية وحتى المكتبية، بل بالكاد تقوم بعملك! أقوم بنفس عملك ولكن بفارق يتجاوز الـ400 دينار غالباً، وبكل طيب خاطر أقول: "ابن البلد يستاهل التشجيع، وله الأحقية بخيراتها". لكن ما أستغربه فعلاً هو المطالبة بزيادة تلك الفجوة بيننا وجعل حياتنا هنا أكثر صعوبة بسن القوانين التعسفية تجاهنا وإطلاق التصريحات العنصرية ضدنا.تطالبوننا بخدمتكم بلا كلل ولكنكم ترفضون تواجدنا معكم ومشاركتكم الأسواق والمكاتب والأماكن العامة، بل وخصصتم ضمنياً مرافق عامة لـ"عيال الديرة" وأخرى لنا كالمولات التجارية والحدائق وحتى المستشفيات. فهل صرنا اليوم طفيليات بعد عقود من العمل في بناء البلد وحملها على أكتافنا؟ وهل نلبس "طاقية الإخفاء" كي لا نسبب لكم أي إزعاج؟! أخوكم "الوافد"
مقالات - اضافات
طاقية الإخفاء
03-02-2017