قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية ضربت الولايات المتحدة الأميركية اليابان بقنبلتين ذريتين أدتا إلى انهيار الاقتصاد الياباني، ورغم ذلك استطاع العملاق الياباني النهوض مرة أخرى ليكون أحد أركان الاقتصاد العالمي، بفضل وضوح الرؤية التي أنقذت أمة بأكملها.

الحكاية بدأت قبل الهزيمة بشهر، فهناك شابان يفكران في أشياء أخرى قد تكون أهم من خسارة الحرب أمام الولايات المتحدة التي توشك على دكها بالكامل، لكن هذين الشابين (سابورو أوكيتا ويونوسوكي جوتو) كان لهما رأي آخر فالهزيمة بنظرهما آتية لا محالة وستجلب معها انهياراً اقتصادياً لا مفر منه.

Ad

هذان الشابان يعملان في مجال الهندسة الكهربائية بالعاصمة الصينية بكين، لكنهما عادا إلى طوكيو ليبدآ التحضير لجلسات نقاشية يتم فيها وضع خطة لتجاوز ما سيحدث اقتصادياً، حيث عقدا الاجتماع الأول بعد إعلان الهزيمة بيوم واحد فقط، ومع مرور الوقت تحولت الجلسات من جلسات خاصة لجلسات عامة يحضرها أكاديميون وسياسيون لمناقشة إعادة الإعمار، ومن ثم تبنت الحكومة الجلسات رسمياً وضمتها وزارة الخارجية إليها تحت مسمى (لجنة المسح الخاصة).

في أواخر عام 1945 ظهرت المسودة الأولى، تحت عنوان "المشكلات الأساسية لإعادة إعمار الاقتصاد الياباني"، حيث تناول التقرير المشكلات والتحديات التي تواجه الاقتصاد مع توصيف دقيق جداً للوضع الداخلي واستراتيجية عامة لمواجهة كل المشكلات، ثم بدأ العمل لإعادة الإعمار بالتفصيل.

كان أمام حكومة اليابان خيارات قليلة جداً، فالوضع الاقتصادي لا يحتمل ولم يكن أمامهم إلا اللجوء لتخفيض العملة أو اتباع سياسة التقشف، لكنّ اليابانيين اختاروا طريقاً ثالثاً بالغ الصعوبة وهو "تحسين الإنتاجية" مع استثمار فائق في القطاع التكنولوجي لمضاعفة الإنتاجية مع المحافظة على الجودة وكفاءة التنافسية العالمية.

أين هي اليابان اليوم؟

الاقتصاد الثالث عالمياً بعد الولايات المتحدة الأميركية والصين بدخل قومي يبلغ (4.901 تريليونات دولار)، حيث تحتل المرتبة الثالثة على العالم بمجال تصنيع السيارات، وهي التي تمتلك الشركة الأكبر عالمياً في المجال (تويوتا)، والأولى عالمياً في صناعة الإلكترونيات، والدولة الدائنة الأكبر في العالم (الأكثر إقراضاً للدول الأخرى)، والدولة الثانية امتلاكاً للأصول المالية "سندات/ أسهم/ ودائع بنكية" بقيمة (14.6 تريليون دولار) بعد الولايات المتحدة، وبما يوازي حجم الأصول المالية لكندا وبريطانيا وألمانيا معاً وثلاثة أضعاف الأصول المالية الصينية، ناهيك عن صرفها على البحث العلمي والتقني بما يزيد على 120 مليار دولا سنوياً.

يا سادة: اليابان واجهت التحدي الاقتصادي بالقرار من خلال فتح المجال للفكر والموهبة، وذهبت بعيداً في إجراءات المراقبة وتطبيق معايير الجودة الشاملة، ولم تلتفت للخيارات السهلة المتاحة.

اليوم قامت الحكومة بمبادرة هي الأولى من نوعها بعنوان "كويت جديدة 2035"، لتعرّف بالخطوط العريضة لبرنامج عملها والمشاريع المزمع إقامتها.

"كويت جديدة" رؤية جميلة إن استطاعت الحكومة ترويجها وتطبيقها بالشكل الصحيح من خلال تحديد أهدافها والبرنامج الزمني والتكلفة المالية والعائد المتوقع منها، وإلا سنعود إلى دوامة هدر المال العام وفقدان الثقة الذي لازم خطط وبرامج الحكومات السابقة.

كويت جديدة يجب توأمتها مع رؤية سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد بتحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري، فالقضية بالنسبة إلى المواطن اقتصاد متجدد ودولة رفاهية.

الحلول والأفكار كثيرة ومتاحة، فإن كانت تجربة اليابان كبيرة علينا فلننظر إلى تجربة سنغافورة التي أعلنت استقلالها عام 1965 وبفضل رؤية "لي كيوان" وصلت إلى ما هي عليه الآن.

ودمتم سالمين.