قبل فترة كتبت عن الشباب الذين يكتبون أعمالا أدبية مطعمة باستخدام ألفاظ بذيئة ومنفرة، وكان ذلك تعليقا على رواية "عطارد"، والتي وصلت لقائمة البوكر العربية حينها. لكن محمد ربيع يختلف عن الشخصية الأدبية التي سأتناولها الآن، فالرجل يمتلك ناصية لغة عربية سليمة ويفرق، على الأقل، بين لمْ ولِمَ. يعرف أن الأولى جازمة، والثانية أداة استفهام بمعنى لماذا.

أما صاحبنا حسن بلاسم، الذي أطلقوا عليه "أفضل كاتب عربي حي"، فلا يفرق بينهما، ويجزم الأفعال المضارعة بهما معا.

Ad

لست أنا من أثار هذه القضية، التي تستحق أن نتوقف عندها بجدية، للتفريق بين الشهرة وأحقية هذه الشهرة، فقد تناولت المستشرقة البلغارية مايا تسينوفا في مقالة مطولة لها تعليقا على الأعمال التي ترجمتها لحسن بلاسم إلى اللغة البلغارية جانبين مهمين؛ الأول هو اللغة العربية التي يكتب بها حسن بلاسم، والثاني هو كم المفردات البذيئة التي يستخدمها في السرد دون هدف حقيقي أو خدمة للنص.

ما يثير الانتباه، هو غيرة المستشرقة البلغارية على اللغة العربية التي عاشت معها أربعين عاما مخلصة لها ولقضية العرب الأولى فلسطين (طبعا حين كانت القضية الأولى). لم تحتمل تسينوفا الأخطاء اللغوية التي لا يرتكبها طلاب المرحلة المتوسطة. سأنقل هنا ما ذكرته المستشرقة من حوار بينهما...

"اضطررت أن أوجه للمؤلف سؤالا حول جملة من قصته (كلمات متقاطعة)، وقد نسخت له الجملة من نصه: (أخبرك في تلك الليلة بأن (المركب السكران) كانت قريبته، لم اخف عليك هذا الأمر طوال سنوات؟!) وكان سؤالي: "من هو الـ(أنا) فيها، أم أن هناك خطأ مطبعيا"، فوصلني الرد التالي: "هذه القصة صعبة قليلا، ويجب الانتباه إلى الشخصيات. لا أعتقد يوجد خطأ". فلم أقتنع وعدت أسأل: "نعم، "هو أخبرك" واضح تماما، وغير الواضح هو ما يأتي مباشرة بعده: (لم أخف عليك هذا الأمر طوال سنوات؟!) لم أخف – أنا؟ من أين جاء هذا الأنا ومن هو الأنا؟"، فجاء الرد: "لا يوجد أنا. هو يستمر في سؤال صديق مروان. يقول له بمعنى آخر ويسأل: لماذا أخفى عليك الأمر طوال سنوات. اخف الفعل اخفى. هو خطأ مطبعي".

ما ذكرته المستشرقة لم يكن خطأ مطبعيا، فهو يرد فعلا في كتابات حسن بلاسم، ففي قصة "عادة التعري السيئة" من مجموعة "مجنون ساحة الحرية" 2015 ترد الجملة هكذا "لمَ أتعر مثل... كلما دخلت شقتي". كان يمكن لبلاسم أن يدفع بالمجموعة لمصحح لغوي، أما حجة تكسير اللغة، فهي سخيفة وضعيفة وغير مقنعة.

حققت هذه القصص المترجمة، والتي ادّعى مؤلفها أن دور النشر العربية لا تقبل نشر أعماله، شهرة غربية كان يسعى لها، معتمدا على استخدام التابو الجنسي والديني تحديدا. وجاءت شهرة الأعمال عربيا انعكاسا لشهرتها غربيا. وحتى أكون منصفا، هناك أعمال في المجموعة تستحق القراءة تم حشوها بالبذاءة دون مبرر سوى البحث عما يمكن أن أسميه ملجأ أدبيا.

أما الأكثر غرابة، وهو أيضا ما ذكرته المستشرقة، أن الذي قرأ القصص باللغة البلغارية تحاشى الترجمة الحرفية لهذه الكلمات، واستبدلها بما هو أخف وطأة. وأنا هنا لا أستطيع أن أعيد ألفاظ بلاسم ولا يجرؤ هو نفسه على قراءتها لجمهوره.

حسن بلاسم كان يدرك أن القارئ والناقد العربي لن يتقبلا أعماله بهذه الألفاظ المنفرة والبذيئة، لكنه لم يتوقع ربما أن تأتي مستشرقة غربية لتقول له: "إن ما قدمته كان بذيئا لا تستحق عليه كل هذا الاحتفاء". وقامت بحجب تلك الألفاظ عن قارئها البلغاري/ الغربي.