ما قل ودل: الوافدون... الدواء المر (1)

نشر في 05-02-2017
آخر تحديث 05-02-2017 | 00:15
أحد نواب الأمة في الكويت أعد قائمة باقتراحات كان سيقدمها في الجلسة الخاصة بزيادة أعداد الوافدين والتي لم يكتمل نصابها، في مقدمتها منع إصدار تأشيرات لهم سنة كاملة، وبذلك تفوّق هذا النائب المحترم على الرئيس الأميركي ترامب، الذي اقتصر على ربع هذه المدة، وأثار هذا الإيقاف الدنيا ولم يقعدها.
 المستشار شفيق إمام

لا للكراهية

كان هذا هو الشعار الذي حملته التظاهرات التي اجتاحت العديد من الولايات الأميركية احتجاجاً على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بحظر دخول جميع اللاجئين إلى أميركا مدة 120 يوماً، وعدم منح تأشيرات دخول لرعايا ست دول عربية وإيران مدة تسعين يوماً، وإلغاء التأشيرات الممنوحة لهؤلاء الرعايا قبل صدور القرار.

وطالبٌ كندى جامعي (27 عاماً) ينفذ هجوماً مسلحاً على مسجد في كيبك أسفر عن قتل ستة مصلين، وإصابة خمسة آخرين لايزالون في حالة حرجة، لاعتناق هذا الطالب أفكاراً قومية تحض على كراهية الآخر، وهو ما سجله في حسابه على قنوات التواصل الاجتماعي، مؤيداً أفكار الرئيس ترامب في كراهية الآخر.

جلسة خاصة للوافدين

لم يكتمل نصاب اجتماع مجلس الأمة يوم الخميس الماضي في الجلسة الخاصة التي طالب بعض أعضاء المجلس بعقدها، والتي حمل طلب عقدها عنواناً هو "جلسة خاصة لمناقشة تضخم أعداد الوافدين".

وقد حمّل طلب عقد هذه الجلسة الوافدين المسؤولية الكاملة عن الخلل في التركيبة السكانية، فضلاً عن مسؤوليتهم عن مشاكل البنية التحتية ومرافق الدولة الصحية والتعليمية والكهرباء والماء والمرور.

وقد أعد أحد أعضاء المجلس الموقر قائمة بالاقتراحات التي كان سوف يقدمها إلى المجلس في هذه الجلسة تضمنت إيقاف تأشيرات العمل مدة سنة كاملة إلا للجهات المستثناة، وبذلك تفوّق النائب المحترم على الرئيس الأميركي ترامب، الذي اقتصر على ربع هذه المدة، وأثار هذا الإيقاف الدنيا ولم يقعدها، ولا يتم تحويل إقامة العامل الذي انتهى عمله في المشروع إلى المادة (18)، ويتم ترحيل العامل الذي يتغيب عن عمله مدة أسبوع واحد، ويتم تغريم العامل المخالف 1000 دينار يستحق نصفها مفتش العمل، ويمنع العامل من دخول الكويت نهائياً، ويتحمل قيمة تذكرة العودة إلى بلده عند ترحيله، كما يتحمل جميع المصروفات التي أنفقت عليه.

ومن الجدير بالذكر أن ترامب في تأييده لقراراته في طرد الأجانب استشهد بهذه الجلسة الخاصة التي تعقد بسبب الزيادة الخاصة بأعداد الوافدين.

ثقافة الكراهية

وهي اقتراحات تهدف إلى توقيع العقاب على الوافدين بافتراض مسؤوليتهم عن كل ما يعانيه المواطن من مشاكل في الخدمات ومن مشاكل في تكويت الوظائف في القطاعين العام والخاص، وهو أمر قد يزيد حملة الكراهية التي بدأت تشيع في المجتمع الكويتي لتترسخ فيه ثقافة الكراهية ضد الآخر، وهي ثقافة غريبة عن المجتمع الكويتي، وسوف تصبح نبتاً بغير جذور.

وأستعيد من بواكير التجربة الديمقراطية واقعة اعتبرها خيطاً من خيوط نسيج هذا المجتمع في نشأته، عندما وقف النائب المحترم الراحل سامي المنيس، طيب الله ثراه وذكراه، عندما وقف في جلسة لمجلس الأمة بتاريخ 26/6/1963 يطالب بشطب بعض العبارات التي وردت في الجلسة على لسان نائب آخر كان يتحدث عن دخول الوافد على الطبيب في المستشفى قبل الكويتي، واعتبرها العضو تفرقة في المعاملة، فطالب النائب الراحل سامى المنيس بشطب هذه العبارات من المضبطة لأنها، حسب قوله، لا تخدم المجتمع، وأنه يجب على الأعضاء مراعاة الألفاظ حتى لا تترسب عندنا وتكون أشياء خطيرة في المستقبل (مضبطة الجلسة رقم 24/ب ص 58).

جرائم الكراهية

ومن تداعيات نشر ثقافة الكراهية الغريبة عن المجتمع الكويتي والتي بدأت تشيع فيه خلال السنوات الأخيرة "جرائم الكراهية" التي بدأت تنتشر في هذه السنوات، والتي نفذ حكم الإعدام في مرتكبي ثلاث منها يوم الأربعاء 25 يناير الماضي، نصرة الكويتية حارقة العيون، والفلبينية جاكاتيا طاعنة ابنة كفيلتها والإثيوبية ماكيل ناحرة مخدومتها، إضافة إلى الجريمة التي ارتكبها طالب كويتي مراهق أحرق مدرسته، والتي لاتزال رهن التحقيق. وقد طالب د. حمد الصانع بالبحث عن أسبابها وقال عنها إنها لن تكون الأخيرة، في مقال له على صفحات إحدى الصحف اليومية تحت عنوان "ابحثوا عن الأسباب قبل العقاب".

الأسباب قبل العقاب

ولسنا في مقام بحث أسباب الجرائم بوجه عام، وإنما هدفنا من الإشارة إلى تلك الجرائم الأربع، التي تناولتها الصحف في الأيام الأخيرة والتي لن تكون الأخيرة، كما قال د. الصانع، هو حماية المجتمع من تداعيات غرس هذه الثقافة في عقول ووجدان الأجيال الصاعدة، فضلاً عن المجتمع بوجه عام، وخطورة ما قد يقال تحت قبة البرلمان، في دار الديمقراطية وتحت قبة البرلمان والحديث في محرابها، ومن نواب يمثل كل منهم الأمة بأسرها، ومن وزراء نالوا ثقة صاحب السمو الأمير قائد العمل الإنساني، والوزراء هم القدوة بالنسبة إلى الجهاز الإداري للدولة، ذلك الجهاز الذى يحتاج إلى الانطباع بالقدوة التي تجيئه من قواده، كالماء يسيل من علِ، لاسيما أن ثقافة الكراهية يمكن أن تترسب في وجدان وعقول الناس من أي تصوير للوافدين على أنهم أسباب كل ما يعانيه المواطن من مشاكل وهموم، إذا لم يعرف الأسباب الحقيقة للخلل في التركيبة السكانية.

أصبحنا الثلث

وهو عنوان مقال كتبه أحد المواطنين على صفحات إحدى الصحف، ينعى فيه حال البلاد التي أصبح فيها المواطنون ثلث عدد سكان الكويت. وهو قول صحيح أخطأ الكاتب في محله وأورده في غير مورده، عندما ألقى باللوم على الوافدين والحكومة التي رآها سبباً في زيادة عددهم.

فقد كان عدد سكان الكويت من أبنائها، لا يزيد على مئة الف مواطن عند اكتشاف النفط، كما كان عددهم في أول إحصاء رسمي صدر في عام 1964، لا يزيد على مئة وخمسين ألف مواطن، وأن عدد المثقفين في الكويت عام 1961، حسبما جاء في مناقشات المجلس التأسيسي على لسان رئيس المجلس لم يكن يتجاوز "المئتين وستين مواطناً (مضبطة الجلسة 20)".

التجنيس لم يكن حلاً

وقد نهضت دول كثيرة، مثل أميركا وكندا وأستراليا، وغيرها على سواعد الوافدين والمهاجرين الذين كانت أعدادهم تزيد أضعافاً مضاعفة على سكان البلاد الأصليين، ولكن هذه الدول لم تعان خللاً في التركيبة السكانية، لأنها أثابت هؤلاء الذين عملوا على نهضتها بتجنسيهم، فأصبحوا مواطنين لا رعايا، ومنحتهم كل حقوق المواطنة حتى منصب رئيس الولايات المتحدة الأميركية، بشرط أن يكون مولوداً في أميركا، ولوكان أبواه من المهاجرين الذين حصلوا على الجنسية الأميركية.

إلا أن التجنيس لم يكن حلاً في الكويت لمعالجة الخلل في التركيبة السكانية، لأن البترول المصدر الرئيسي للدخل القومي، هو ثروة طبيعية قد هبطت فجأة على الكويت وعلى غيرها من الدول النفطية، وهي الأساس الذي قامت عليه نهضة هذه الدول، ولم يكن للوافدين دخل في تحقيقها. غير أنه يظل للوافدين إسهام في تحقيق هذه النهضة في دول النفط، وهم يستحقون الشكر والثواب، كما قال الكاتب الكبير يوسف الجاسم في مقالة المنشور على صفحات "الجريدة" في عددها الصادر 20 يناير الماضي، والذي سنعود إليه في المقال المقبل بإذن الله إن كان في العمر بقية.

«كراهية الآخر» ثقافة غريبة عن المجتمع الكويتي وسوف تصبح نبتاً بغير جذور
back to top