فيليب عرقتنجي: «اسمعي»... الحب أقوى أنواع المقاومة

 • الفيلم يتناول مكانة المرأة وإشكالية الوفاء في المجتمع اللبناني

نشر في 06-02-2017
آخر تحديث 06-02-2017 | 00:03
في الصالات اللبنانية عروض للفيلم الرومانسي «اسمعي» (Listen) للمخرج فيليب عرقتنجي، ويتولى الأدوار الرئيسة فيه كلّ من هادي بو عياش وربى زعرور ويارا بو نصار، ويشارك في بطولته الممثلون رفيق علي أحمد وجوزف بو نصار ولمى لاوَند.
وأقيم العرض الاحتفالي الأول للفيلم في صالات «سينما سيتي» (أسواق بيروت)، بحضور عدد من الفاعليات السياسية والاجتماعية، والوجوه الفنية والإعلامية، إضافة إلى عرقتنجي والممثلين وفريق العمل.
يتمحوَر «اسمعي» حول موضوع الحبّ كأحد أقوى أشكال المقاومة والبقاء على قيد الحياة، من خلال رحلة عبر عالَم الصوت وأهميّة الاستماع، إذ يتناول قصة عاطفية مؤثرة: جود شاب لطيف وهادئ يعمل مهندس صوت، تنجذب إليه رنا، وهي ممثلة شابة صاحبة شخصية متمرّدة ونابِضَة بالحيويّة. عندما كان يعرّفها إلى عالم الصوت الذي يعيش فيه، وفيما كانت قصة الحبّ بينهما في ذروتها، يحصل ما لم يكن في الحسبان، وتغيب رنا فجأة. وكي يستعيدها، يلجأ جود إلى رسائل وتسجيلات تتضمن أصواتاً من الحياة يواظب على إرسالها إليها بواسطة الشخص الأقرب إليها: شقيقتها مروى.

ويصف عرقتنجي «اسمعي» بأنه «قبل كل شيء قصّة حب، وهي قصّة بسيطة عن شاب يحبّ شابة ويصرّ على أن يبقى وفيّاً لها»، رغم «الإغراءات كافة». ويعتبر أن «الحبّ، في مناخ أمني وسياسي واجتماعي مضطرب كالذي يعانيه المجتمع اللبنانيّ، يشكّل أقوى أنواع المقاومة». ويقول: «إنه مقاومة للخوف والموت، وبالتالي، يشكّل فيلم عن الحبّ فيلماً عن الأمل وغريزة الحياة في وجه غريزة الموت». ويضيف: «إنه فيلم أنحاز فيه إلى الرغبة القوية في التمسّك بالحياة».

وشاء عرقتنجي أن يكون فيلمه الروائي الطويل الرابع، «رغم عمق المواضيع التي يعالجها والرسائل التي يتضمنها، فيلماً من النوع السهل الممتنع وفي متناول فئات الجمهور كافة، وهو مزيج من الدراما والكوميديا». و»اسمعي»، وفق عرقتنجي، «فيلم نشاهده بحاسة السمع»، «يُعير» فيه المخرج آذُنَي جود للمشاهدين. ويوضح: «تركيزي على الاستماع يعود إلى أنني أرى فيه عنصر انفتاح وحوار بين الناس».

ويتابع: «تعمدت تكثيف الأصوات والحوارات. الفيلم مزيج متداخل من الأصوات المتناثرة التي لا معنى لها ظاهرياً، لكنها مع ذلك تبدو كُلاًّ متناسقاً. قصدت أن يكون جو الفيلم صاخباً كي يقدّر المشاهد فترات الصمت التي تتكثّف مع الاقتراب من نهايته».

ويتناول الفيلم أيضاً مكانة المرأة وإشكالية الوفاء في المجتمع اللبناني. ويقول عرقتنجي إن النساء في لبنان تطورن بسرعة ولكن مع ذلك يبقين سجينات «الواجب الاجتماعي» المتمثل في «إيجاد رجل يرتبطن به بهدف الاستقرار وتأسيس عائلة». ويضيف: «يقال إن ثمة رجلاً لكل ثماني نساء، وهذا ما يجعل النساء جريئات في بحثهن. ووسط هذه الإغراءات، يحاول جود، رغم الاضطراب الذي يعيشه، أن يبقى وفياً لامرأة واحدة».

 

هادي بو عيّاش

 

أما هادي بو عيّاش، الذي يؤدي دور جود، فَتَركت فيه شخصية مهندس الصوت أثراً عميقاً. ومنذ إبلاغه بأنّ الدور أسند إليه، سارع بو عيّاش، الذي يدرس الإخراج لكنّه يخوض تجربة التمثيل للمرة الأولى، إلى الاستعداد للدور. ويتذكر: «بدأت بإجراء الأبحاث وبِدَرس طريقة عمل مهندس الصوت، بحيث أكون واقعياً ولا أمثّل. وقمت بأبحاث كثيرة عن حاسة السمع وعن الصوت وعن مدى أهميّتهما في حياتنا وتأثيرهما فينا وخصوصاً في ما يتعلق بنظرتنا إلى الحياة بطريقة أفضل. وأمضيت وقتاً طويلاً مع مهندس الصوت في الفيلم الذي علّمني كل شيء عن المعدّات وكيفيّة تشغيلها وتوضيبها والتعامل معها، وعن طريقة تصرّف مهندس الصوت في موقع التصوير».

ويلاحظ «أوجه شبه كثيرة» بينه وبين الشخصية الرئيسة في «اسمعي». ويقول في هذا الصدد: «كلانا من الجبل ونحب الطبيعة والسكون ومتعلّقان بالأرض ونهتم بالحواس التي نعتبرها نعمة علينا، كذلك نتشابه جود وأنا لجهة أن من السهل أن نقع في الغرام وعندما نُغرم نحب بجوارحنا كافة، بكل شيء لدينا، ويكون حبّنا وفياً. ونتشابه أيضاً في كونِنا نحب عملنا كثيراً وهو الطريقة الأساسيّة التي نعبّر بها عن أنفسنا. فإذا أراد جود أن يوصل فكرة إلى أحد يسجّل له صوتاً وهو ما أقوم به من خلال التمثيل أو تصوير الأفلام. لكنّ جود يختلف عنّي بأنّه خجول أكثر مني ومنغلق أكثر مني، ففي حال لم يتحدّث إليه أحد فهو لا يأخذ المبادرة، في حين أنّ شخصيّتي معاكسة لهذه الجهة».

 

آراء المشاركين

 أما ربى زعرور، التي تولّت دور رنا في الفيلم، فترى أن الشخصية التي أدتها «مشابهة كثيراً» لشخصيّتها الحقيقيّة: «رنا حرّة، ومتمردة، وعنيدة ولا يمكن أنْ يُفرض عليها ما يجب أن تفعله، وهذا قريب جداً من قصّة حياتي. إنّها شخص محبّ للحياة. وهي متفائلة وتريد لجميع المحيطين بها أن يكونوا سعداء». 

وفي رأي يارا بو نصّار، التي تتولى دور مروى، أن «اسمعي» فيلم «مختلف لأنّه نابع من صميم فيليب عرقتنجي ويعكس لغّته السينمائيّة وما يريد أنْ يعبّر عنه». وتلاحظ أنها «المرّة الأولى التي يخرج فيها فيليب فيلماً عن قصّة حب وهو ما يختلف عن مقارباته المألوفة. وهذا جزء منه لم يُعرض على الشاشة سابقاً».

وإذا كان «اسمعي» مناسبة كي تمثّل ياراً للمرة الأولى في فيلم سينمائي واحد مع والدها جوزف بو نصّار، بعدما اجتمعا في أعمال نلفزيونية، فإن المفارقة تكمن في أنه، في الفيلم كما في الحياة، كان... والدها. وترى يارا في هذه التجربة «جانباً عاطفياً جميلاً»، و«لحظات ثمينة وحلوة».

أما جوزف بو نصّار فيرى أن أهميّة «اسمعي» تكمن في أنّه «يدفع صناعة السينما اللبنانيّة إلى الأمام وفي الطريق الصحيح». ويلاحظ أن «فيليب عرقتنجي ينتمي إلى الفئة الأولى من المخرجين الذين يصنعون أفلاماً جيّدة».

مسيرة تجارب وتنوّع

عُرف عرقتنجي خلال مسيرته المهنيّة، بتجاربه المستمرّة والتنوّع في أعماله وإصراره الدائم على تجاوز الحدود التقليدية. وحَمَلَه فضوله الفطري ومثابرته على اختبار أساليب سينمائية غير مألوفة.

ففيلمه الأول «البوسطة» الذي عُرض عام 2005، وهو من النوع الكوميدي الموسيقي، قدّم للجمهور نظرة جديدة إلى مرحلة ما بعد الحرب اللبنانية، ركزت على القدرة التي يتميّز بها اللبنانيون على التكيّف والاستمرار. وتخطّى الفيلم التوقّعات، وتصدّر الإيرادات على شبّابيك التذاكر محقّقاً رقماً قياسياً للأفلام اللبنانية تخطى الـ140 ألف مشاهد. في ذلك الوقت، وفيما كان قطاع السينما اللبنانيّة ما زال في طور تأسيس ذاته، قلب نجاح الفيلم الموازين، وأدّى إلى انعطافة كاملة في التصوّر العام، فأعاد الثقة بالأفلام اللبنانيّة.

وعندما نشبت الحرب مجدداً في لبنان عام 2006، شعر عرقتنجي بأن من واجبه توثيق هذه المرحلة، فما كان منه إلاّ أن بادر بسرعة إلى تصوير فيلمه الروائي الثاني «تحت القصف» مع ممثّلين اثنين فقط (جورج خباز وندى أبو فرحات) وسط الدمار والفوضى التي تسببت بها الحرب، مازجاً بين المشاهد المرتجلة، وتلك المكتوبة في السيناريو. وعرض الفيلم عام 2008 واستقطب اهتماماً عالمياً، واختير للمشاركة في 40 مهرجاناً من بينها «البندقيّة» و»صندانس» ودبي، وفاز بما مجموعه 23 جائزة من أنحاء العالم.

وفي عام 2014، اختار عرقتنجي تجربة سينمائية جديدة وأنجز فيلم «ميراث» Heritages. وعلى خلفية تاريخ منطقة المشرق في الأعوام المئة المنصرمة، يتناول الفيلم بطريقة فكاهية وعاطفية عدداً من المواضيع الحسّاسة، كالهجرة والذكريات، في مشهديّة تتفاعل فيها بمهارة الصور الفوتوغرافية مع مشاهد من الأرشيف ومقاطع الفيديو العائليّة. ويعتبر هذا الفيلم راهناً بمنزلة «دراسة حالة» ويدرّس في المدارس والجامعات في لبنان كما في الولايات المتحدة.

عرقتنجي أراد أن يكون فيلمه من النوع السهل الممتنع وفي متناول فئات الجمهور كافة
back to top