قلنا إن معارك الرئيس الأميركي ترامب المتنوعة، هي في الأساس داخلية، وتعبر عن الصراع وحالة الانقسام التي يمر بها المجتمع الأميركي منذ فترة، ولم ينجح الرئيس السابق باراك أوباما في ردم الهوة والفجوة المتصاعدة اجتماعياً وسياسياً، على الرغم من التحسن الاقتصادي الملحوظ بعد أزمة 2008 الطاحنة، وجاء ترامب في إطار موجة رفض كبير للمؤسسة السياسية، ليس في أميركا فحسب، بل في مجمل العالم الغربي.

أزمة منع المهاجرين، عبّرت عن حالة الفوضى والارتباك الشديد، التي بدأت بعدم الجاهزية، والتضارب في التصريحات، والتباين الحاد داخل الحكومة الأميركية، بين مستشاري الرئيس ترامب ووزرائه. ويبدو أن تلك الأزمة لم تتركنا في الكويت بمفردنا، فقد تم تداول خبر مفاده أن "الكويت نفذت حظر ترامب على 5 جنسيات دول أغلبية سكانها من المسلمين، وهي باكستان والعراق وسورية وأفغانستان وإيران". لم يكن الأمر منطقياً على الإطلاق، ففي حين أن هناك إجراءات تُتخذ بين الحين والآخر للتشدد في منح الفيزا أحياناً، فإنها لم تكن يوماً إجراءً عاماً وشاملاً، وبالتأكيد لا يمكن أن تكون سياسة عامة، ما يعني أن الخبر كما ورد عار من الصحة. ذلك كان ردي على بعض وكالات الأنباء والمنظمات الدولية التي اتصلت بي لتستفسر عن حقيقة الأمر.

Ad

قمت بعد ذلك بتتبع مصدر الخبر، فوجدته منشوراً باللغة العربية في موقع يدعى "البوابة"، نقلاً عن موقع إلكتروني هندي يسمى "ايكونوميك تايم"، الذي نسب الخبر إلى موقع روسي، هو "سبوتنيك إنترناشيونال"، ويبدو أننا دخلنا في رادار التشويش الروسي.

بالطبع قد يكون من ضمن محاولات إخراج العالم من حالة "تلفزيون الواقع" هو قرار المحكمة الأميركية بوقف إجراءات حظر الدخول، وربما إعادة شيء من التوازن للعالم.

في مقابلة أخيرة للرئيس الأميركي حين اعترض المذيع أورايلي على مديح ترامب لبوتين، متسائلاً كيف تمدحه، إنه قاتل؟ فكانت إجابة ترامب، ومن قال إننا أبرياء في أميركا؟ فالمتناقضات قد تتفجر، ولكنها لن تنجح في المضي قدماً بلا خريطة ولا تصور ولا رؤية.

ملامح ما يجري الآن متشابهة، وإن بدرجات مختلفة، مع حالة 2003 عندما سيطرت مجموعة صغيرة بقيادة "أمير الظلام" في غزو العراق وتفكيكه، وجعله نهباً لكل الموبقات، وبالنسبة لأميركا تم وصف القرار بأنه أسوأ قرار في تاريخ السياسة الخارجية الأميركية، وبلغت الخسائر المترتبة عليه أكثر من 2 تريليون دولار، وقامت فئة صغيرة متطرفة بإلغاء كل الخطط المشغولة بعناية للتحول التدريجي للعراق مثل "مشروع مستقبل العراق"، وحدثت الكارثة.

حالة "تلفزيون الواقع" صعب استمرارها، فمن الممكن أن تحدث في بلاد أخرى، يقودها ديكتاتور مفتون بالدعاية وسياسة المفاجأة، أما بالنسبة للقوة الكبرى في العالم فهناك الكثير من المصالح المتشابكة التي ستوقف ذلك، وأبرز مثال هو التخبط الذي شاهدناه في قرار حظر المهاجرين.