رغم تقديري للقرارات التي اتخذتها الجمعية العمومية لقضاة ومستشاري المحكمة الكلية بعقد جلسات مسائية للدوائر الجزائية، وذلك من خلال السماح بعقد ثلاث جلسات في اليوم الواحد، بعد أن يتم تكليف أعضاء مشتركين من دائرتين منعقدتين، لتكوين هيئة قضائية ثالثة، فإنني أراه أمراً يتعين إعادة النظر فيه لخطورته.

وتكمن تلك الخطورة في مسألتين: الأولى هي حجم الإرهاق الذهني، نتيجة ضعف التركيز الذي يصيب السادة القضاة بنظر المزيد من القضايا الجزائية وسماع مرافعات المحامين وطلباتهم لساعات طويلة تبدأ مع انعقاد الجلسات الصباحية والمداولة، مروراً بإصدار أحكامهم في الجلسة الأولى ثم الانتظار لحين انتهاء انعقاد الهيئة الثانية من الانعقاد، حتى تنعقد الهيئة الثالثة من أعضاء مشتركين من كلتا الهيئتين، على أن تختم الهيئة الثالثة جلساتها في ساعات تصل إلى السابعة مساء.

Ad

أما الخطورة الثانية فتتمثل في الإرهاق البدني الذي يصيب السادة القضاة والمستشارين للعمل ساعات طويلة تفوق طاقتهم، مما قد يسبب لهم أعراضاً صحية، لا سمح الله، بسبب العمل لساعات طويلة تصل إلى الساعة السابعة أو الثامنة مساء.

كما أن القضية التي تواجه المحامين، اليوم، هي أنه نتيجة لطول اليوم القضائي الذي جاءت تلك الجلسات بذريعة التخفيف منه، أنه لا يمكن للمحامي أن يسهب أو يتوسع في تقديم دفاعه أو عرضه أمام المحكمة من خلال مرافعاته، لأن الأخيرة مرهقة ذهنيا وبدنيا نتيجة نظرها وسماعها للعديد من المرافعات واتخاذها الكثير من المداولات في اليوم الواحد، التي استهلكت تركيزها الذهني والبدني، ولذلك فالمحامي سيكون بين أمرين، وهما إما أن يختصر الكثير من دفاعه في قضية تتطلب الكثير من المرافعة، وإما أن يقدم مرافعة طويلة أمام هيئة قضائية مجهدة ذهنيا وبدنيا، قد لا تلقى أي تفاعل أو إنصات مصحوب بالتركيز، لطبيعة الدفاع والدفوع القانونية التي يتولى المحامي شرحها في مرافعته.

إن المحاولات التي تبذل من أجل الإسراع في الفصل في القضايا المتراكمة لا تكون على حساب إرهاق العدالة، ومن يتولى تحقيقها، بل تكون من خلال فتح دوائر قضائية أكثر في ظل وجود قاعات لانعقادها في هذا الوقت، ومن ثم فإن تكليف عدد من القضاة لشغلها يكون من خلال تكليف قضاة آخرين، لا قضاة هم بالأساس مكلفون لخدمة العدالة بهذا اليوم!

هناك حقيقة لا يمكن إخفاؤها ولا إغفالها، وهي أن القضاء يعاني نقصا شديدا في عدد القضاة العاملين في كل المحاكم، خصوصا مع صدور العديد من القوانين التي فتحت محاكم جديدة إضافية، وعلاج ذلك الوضع وفّره قانون تنظيم القضاء الحالي، وهو بتعيين قضاة من خارج القضاء عبر الكفاءات الموجودة من المحامين أو أعضاء هيئة التدريس في الجامعات أو من لديهم خبرة من خريحي كلية الحقوق، ولا مانع من إخضاعهم لمقابلات واختبارات للوصول إلى الأفضل من بينهم من جانب لجنة تشكل من المجلس الأعلى للقضاء.

إن الإبقاء على سياسة القبول الحالية بالتعيين عن طريق النيابة لم تعد تنفع لمواكبة الضغط المتزايد لأعداد القضايا ولاستيعاب العدد الكبير من المحاكم والدوائر القضائية المشكلة فيها، وهو ما يتطلب إما الاستفادة من أبناء البلد من الكوادر القانونية ذوي الخبرة والكفاءة، وإما الاستمرار في سياسة الإعارة للقضاة وهي سياسة مرتبطة بأعداد محددة لم تعد مستقرة في ظل اتباع البلدان الأخرى في المنطقة السياسة ذاتها، بل وتقدم رواتب مضاعفة مما تقدمه الكويت.