على وقع أشعار جلال الدين الرومي وعمر الخيام فضلا عن الميجانا والعتابا والدبكة اللبنانية، وعلى مدى سبع لوحات استعراضية، أبحرت فرقة كركلا من بعلبك على طريق الحرير إلى عُمان والهند والصين وبلاد فارس والبندقية، في رحلة تمزج الماضي بالحاضر، وقد ركزت لهذه الغاية وسط المسرح لوحة ثلاثية الأبعاد دمجت الصورة والحركة مع الرقص المباشر، وأعادت رسم طريق الرحالة والبحارة والخيالة العرب إلى تلك البلدان لجلب الحرير الذي كانت تجارته رائجة في ذلك الزمان.

إلى جانب الرقص البالغ الاحتراف والذي نجح في نقل المشاهد إلى عوالم ملونة من الخيال، تميز العرض بالأزياء الفلكلورية الرائعة والموسيقى المتنوعة، فتتتابع المشاهد راسمة ملامح العلاقات التي كانت قائمة بين الشعوب في ذلك الزمان الغابر.

Ad

كما حولت فرقة كركلا في الصيف الماضي قلعة بعلبك إلى مهرجان نابض بالحياة والألوان والدهشة، هكذا فعلت على خشبة مسرح «فوروم دو بيروت»، إذ أبهرت الجمهور بهذا التكامل وهذه الشمولية في رسم تفاصيل طريق الحرير، التي سار عليها الخيالة في الصحراء والبحارة الذين يمموا شطر البلدان البعيدة، وإذا بالمشهدية أشبه بحلم جميل يأسر العين والأذن والحواس كافة، فالراقصون والراقصات يتنقلون على المسرح مثل الفراشات الملونة التي تطير وتكاد تلامس الأرض، وقد زادت الموسيقى والغناء بأصوات كبار الفنانين اللبنانيين فضلا عن مشاركة فنانين من الهند والصين اللوحات رونقاً وجمالا وشفافية بالغة. إلى جانب العناصر الفنية ثمة عناصر ثقافية في العرض استعانت فرقة كركلا في تنفيذها بالشاعر طلال حيدر، الموسيقي محمد رضا علي غولي، الأديب نسيب أبو ضرغم، الممثل جورج خباز (كتب كلمات العرس التقليدي والدلعونا)، والموسيقي الصيني ها سيلو والموسيقي الهندي فيدي شارما وأحسن علي...

تبدأ الخطوة الأولى على طريق الحرير مع الشاب تيمور (سيمون عبيد) الذي يواجه جوبتير (رفعت طربيه) من مدينة هليوبوليس في الزمن الحاضر، وبعرس تقليدي يهدر فيه صوت الشاعر سعيد عقل، ويتابع مع الأغاني التقليدية، سلوك طرق تصل الهند ببلاد فارس والصين بالبندقية، ثم العودة إلى بعلبك بملحمة تاريخية تجتمع فيها حضارات هذه البلدان.

لا شك في أن «إبحار عبر الزمن»، يتضمن إسقاطات على الواقع الذي يسيطر عليه التمزق والأزمات، ويدعو إلى الحوار بين الحضارات، وقد تجلت هذه الدعوة بصراحة في نهاية العرض بعد عودة الرحالة إلى بعلبك مدينة الشمس، فتعلو لغة المحبة والعتابا والدلعونة المنبثقة من الفلكلور اللبناني وتملأ الدبكة البعلبكية فضاء المسرح.

إشارة إلى أن الديكور يؤدي دوراً مكملا في عملية الإبهار، فهو يتغيّر وفق الرحلة وقد استقدم من المكان الذي يصمم فيه فرانكو زيفريللي أعماله المسرحية في إيطاليا.

فرقة كركلا

أسس الفنان عبدالحليم فرقة كركلا عام 1968، وضمّت في ذلك الوقت نحو 15 راقصا وراقصة، وبدأ إبداعه الفني المتميز والمتكامل، يلوح في أفق لبنان والعالم العربي، مستوحياً أعماله المسرحية الراقصة من مسيرة بدوي في الصحراء، حيث الموسيقى الفطرية تنبعث من أقدام جمل أو فرس على رمال الصحراء.

يعتبر مسرح كركلا أول مسرح عربي راقص، قدم أعماله على أهم مسارح العالم مثل «الكارنغي هول» في نيويورك و«الكندي سنتر» في واشنطن، وفي لوس أنجلس «باسادينا سيفيك سنتر»، و في ديترويت على مسرح «فورد إديتوريوم»، وسادلرزويلز في لندن، ومسرح الشانزليزيه ومسرح «الألمبياد» في باريس وغيرها... كما كان للفرقة جولات وصولات في العالم العربي.

الانطلاقة الأولى للفرقة كانت على أدراج معبد جوبيتر في بعلبك، وفي عام 1972، شاركت الفرقة في مهرجانات أوساكا في اليابان، في حضور الأمير ميكازا ابن الإمبراطور.

من أبرز الأعمال التي قدمتها: «اليوم، بكرا، مبارح (1972)، غرائب العجائب وعجائب الغرائب ( 1974)، الخيام السود (1978)، طلقة النور (1980)، حكاية كل زمان (1982)، أصداء (1985)، حلم ليلة شرق (1990) إليسار ملكة قرطاج (1995)، الأندلس المجد الضائع (1997)، بليلة قمر (1999)، «ألفا ليلة وليلة» (2002)، ملحمة نوفمبر مسيرة الكرامة (2004)، فرسان القمر (2007)، «زايد والحلم» (2008)، أوبرا الضيعة (2009)، كان يا مكان (2012)...