«علاقة جديدة» بين الموصليين وبغداد
الجنوبيون «يُغرمون» بالشمال... و«رجال طهران» ينغصون
بعد 4 أشهر من الحرب، بدأت تظهر ملامح «علاقة جديدة» بين أهالي الموصل ومؤسسات الدولة العراقية، خلافاً تماماً للصورة السلبية للروابط التي طبعت العلاقة قبل اجتياح «داعش» المدينة في يونيو 2014.ومع تحرير نحو 60 في المئة من المدينة، وطرد التنظيم المتشدد من الجانب الأيسر لدجلة، تترقب القوات العراقية عبور النهر نحو الجزء الأيمن الذي تقع فيه المدينة القديمة والأسواق التاريخية، وتتعقد المعارك بسبب الأزقة الضيقة التي لن تدخلها الدبابات ولا العربات المدرعة، لكن الجيش يراهن على تعاون الأهالي.وتفيد المصادر العسكرية بأن شهور الحرب الماضية شهدت تعاوناً كبيراً من الموصليين مع الجيش، لاسيما في توفير المعلومات الاستخباراتية، مشيرة إلى أن المقارنات وعمليات التدقيق اللاحقة أثبتت أن معظم المعلومات التي وفرها السكان حتى الآن كانت دقيقة.
وتضيف المصادر أن أحد الأدلة على مدى أهمية المعلومات تلك هو أن «داعش» أصدر قرارات متعسفة لقتل أي موصلي يشك في أنه يتعاون مع الحكومة عبر المعلومات، وإعدام أي موصلي لديه هاتف محمول يعمل، وهو الأمر الذي تصفه المخابرات العراقية بأنه «هستيريا» تصيب التنظيم. ووفقاً للتدقيق اللاحق، فإن الأهالي عبروا عن إحباطهم من العيش مع تنظيم متشدد عامين ونصف العام، بتكثيف المعلومات الاستخباراتية التي ساعدت الجيش على كشف معظم مواقع المدفعية ومقار الانتحاريين ومقاتلي النخبة عند «داعش». وتوضح المصادر أن البلاغات الطوعية من الأهالي كانت تتزايد أثناء القتال الليلي، إذ يحتاج الجنود العراقيون إلى مساعدة أكبر في حرب الشوارع.وطوال 14 عاماً كان العراقيون ينظرون إلى الموصل بنحو سلبي كمدينة ظلت مرتابة من النظام السياسي الجديد، ومعترضة عليه، تقاطع انتخاباته في أحيان كثيرة، وتقدم ساسة يمتازون بالثقة بالنفس والقدرة على إدارة صراعات جادة مع الشيعة خصوصاً، ثم جرى اتهام المدينة بأنها ساعدت تنظيم داعش وسهلت استيلاءه عليها، لكن في أشهر المعركة الأربعة تغير هذا الانطباع عند الجمهور، وكأن العراقيين يستمعون لأول مرة، إلى اللهجة الموصلية المميزة (تشبه لهجات شمال سورية) والغناء التراثي وأطباق الطعام المميزة، كما أن احتفالهم بدخول الجيش بطريقة متحضرة وأنيقة، ألهب التعاطف الشعبي معهم، وصارت وسائل الإعلام تتناقل أخباراً عن زيجات وقصص حب بين جنود من الجنوب وبنات موصليات، وأصبح قادة قوات النخبة، ومعظمهم جنوبيون، نجوماً يلقون الترحاب بين الأهالي في الشمال، كما تتناقل الصحافة تعاوناً كبيراً بين الجانبين لتخفيف ويلات الحرب.لكن هذه التحولات الاجتماعية لن تعني بالضرورة إمكانية ظهور فصل سياسي ايجابي بين الموصل وبغداد في مرحلة ما بعد «داعش»، ولعل الحرب المستعرة الآن تخفي مشكلات السياسة وتؤجلها، إلا أن بعض مظاهر الخلاف لا يمكن أن تبقى مستورة، وأخطر ما فيها أنها تكشف أن رئيس الحكومة حيدر العبادي ليس مطلق اليد في إدارة الصراع، لأن الباب مفتوح أمام الأجنحة المتشددة القريبة من طهران خصوصاً، لتخريب اتفاقات وتسويات، كان آخرها إشراك المحافظ السابق أثيل النجيفي في الإدارة الأمنية صباحاً، وإعفاءه من هذه المهمة مساء، حيث يقوم «رجال طهران» بإلغاء العديد من قرارات العبادي والضغط عليه للتراجع عن أي اتفاق يصحح علاقة بغداد بالقوى السنية الفاعلة.