بنهج المشيخة
بمثل هذا النهج المشيخي الاستبدادي تدار الأمور بالدولة، وزير الإعلام "الشيخ سلمان الحمود" يستجوب ويصوت عدد من النواب بطرح الثقة به، فيرد على المستجوبين بتوقيف الأمين العام للمجلس الوطني والأمناء المساعدين وإحالتهم للتحقيق، وكأنهم عمال يعملون في مزرعته الخاصة، أو أن المجلس الوطني غرفة نومه يغير فرشها حسب المزاج والظروف!كان على وزير ملاحقات المغردين ومنع روايات الكتّاب التعقل وضبط نفسه في ردوده، وسواء كان وزير الإعلام والشباب "المسؤول عن الثقافة" وهو، بالمناسبة، ليس له علاقة بالشباب ولا بالإعلام ولا بالثقافة، أراد توجيه صفعة لنواب محسوبين على الكتلة الليبرالية أو الوطنية، رغم أنه لا توجد في الدولة حركة ليبرالية أصيلة، والوطنية ليست حكراً لأحد، لعدم اصطفافهم معه في الاستجواب، أو أراد استمالة قلوب المستجوبين المحسوبين على التيار الإسلامي حين قدم أمناء المجلس الوطني قرباناً لهم، فقد أخطأ وكانت لعبة التضحية بالغير وتقديم القرابين السياسية للحفاظ على المنصب الوزاري سياسة طفولية رعناء غاب عنها الحصافة والعدل، وإذا كانت هناك أي تحفظات على نهج أمناء المجلس الوطني، فلا يجوز أن يكون الاستجواب مناسبة للتحقق منها، وبهذا ضرب الوزير المستجوب عرض الحائط بأبسط قواعد العدالة، وقدم لنا نموذجاً حياً للانحراف بالسلطة.
قد يكون هناك بعض الظلم في محور الرياضة كأول محاور الاستجواب، فهذا ليس من شأن هذا الشيخ تحديداً، وإنما هو شأن "الشيوخ" وفي صميم صراعات القصر بين أبناء عم هذا الشيخ، وفي الدولة المشيخية تتضاءل وتتقزم يوماً بعد يوم مؤسسات القانون الحيادية، ويعاد تشكيلها حسب رغبات وتطلعات هذا الشيخ أو ذاك، وتضيع المعالم والحدود الفاصلة في قواعد الاختصاص بين السلطات الثلاث كإطار عام، ويتم بتعمد وجهل خلط الأمور وتغييب المسؤولين الحقيقيين عن فوضى الإدارة السياسية بالدولة وفسادها، بعد أن أزيحت جانباً دولة القانون والدستور لتحل محلها دولة الأشخاص والمحسوبيات، لكن هذا لا يعني صلاحية هذا الوزير بداية لمثل هذا المنصب كأهم مسؤول عن وضع الفكر والثقافة في الدولة، إلا إذا كانت شهادة المشيخة هي الشرط الوحيد في أغلب التوزيعات الوزارية بحكم العادة المتوارثة.ما حدث في الاستجواب ورد الفعل عليه من الوزير المستجوب، وما حدث قبل ذلك في عرض البذاءة والخواء في جلسة سابقة للمجلس النيابي ظهر فيها بوضوح كيف كان يتحرك مال الفساد السياسي وكيف وصل أربابه لمناصبهم العليا، قد يجعل القلة الواعية تتساءل ما إذا كنا وصلنا للقاع في أخطر فترة تمر بعمر الدولة، أم هناك ما هو أسوأ قادم في الطريق، ولا حياة لمن تنادي...!