أدب الطفل حلم منظور
منذ ما يزيد على الثلاثة عقود، ومع ولادة ابنتي الكبرى، عوَّدت نفسي إذا ما دخلتُ أي مكتبة غربية أن أبحث عن ركن كتب الأطفال. المكتبات الغربية عامة تهتم كثيرا بكتب الأطفال، وعادة ما يكون جناح الأطفال مختلفا عن باقي أرجاء المكتبة. سواء بترتيب الكتب، أو ألوان الديكور الزاهي، أو تجهيز أماكن وجلسات القراءة، أو دعوة كاتبات وكُتاب بشكل دوري للجلوس مع الأطفال وقراءة الأعمال القصصية إليهم. وبعيدا عن الجانب المالي في سوق الكتاب الرائج بالغرب، وحرص العائلة الأوروبية والأميركية، بمختلف مستوياتها المادية، على خلق صلة وطيدة بين وليدها والكتاب، فإن ما يجب التصريح به، هو أنه لا وجه شبه بين مكتباتنا العربية بكتب الأطفال وبين مكتباتهم، وأن فرقا شاسعا بين الاثنين في نوعية الكتب، ومواد تلك الكتب، وطريقة طباعتها وإخراجها.إن إقبال وحرص جمهور القراءة في الغرب على قراءة واقتناء كتب الأطفال خلق سوقا تنافسية كبيرة لها، وهذا بدوره كرَّس كُتابا متخصصين في مجال أدب الطفل، ما راكم القصص الشعبي الغربي، وجعلها حاضرة ومتجددة في كل حين، حتى صارت جزءا من الإرث القصصي العالمي الإنساني. كما أن التفات السينما الهوليوودية إلى قصص الأطفال وتقديمها بتقنيات متطورة جدا أكد حضورها في كل مكان، وجعل تلك القصص إرثا إنسانيا بين مختلف أطفال وشعوب العالم، وخاصة مع انتشار المدارس الإنكليزية والأميركية في معظم دول العالم، وقيام هذه المدارس بتدريس الطفل الإرث الغربي في قصص الأطفال. لذا نشأت أجيال من الأطفال حول العالم تشترك في أنها لا تعرف شيئا عن قصصها الشعبي، وتردد بسرور وفخر أغاني القصص الغربي الذي عرفته وحفظته.
متشعبة جدا قضية أدب الطفل، بين البيت والمدرسة والمنهج والمدرِّس والطفل. وبين الإعلام الرسمي والخاص المرئي والمقروء والمسموع، ووزارات الشباب والشؤون الاجتماعية، وبين كاتب قصص الأطفال العربي المُهمَل، وناشر هذه القصص وسوق هذه القصص. وبين جمهور مشدود إلى قصصه الشعبي الغائب أو الحاضر بشكل هزيل، وأدب طفل عربي معاصر وجديد ومغمور. وأخيراً غياب هذا الأدب عن دوائر الاهتمام، سواء على مستوى النشر وجمهور التلقي، أو مستوى النقد والإشهار الجوائز والإعلام.لي تجربة يتيمة في كتابة قصص الأطفال. ولقد كنتُ من المحظوظين جدا بالتعامل مع دار نشر منذورة لأدب الطفل، وهي دار "كلمات" الإماراتية. معهم عشت مراحل نشر القصة، وبما يختلف تماما عن نشر أي رواية أو مجموعة قصصية.مع قصص الأطفال الكاتب معني بأن يكون شريكا متفاهما مع فنان تشكيلي يقوم بتنفيذ رسومات القصة، وأنا أرى أن رسومات قصص الأطفال يجب أن تكون من الحضور المبدع والباهر، بما يجعلها قصة أخرى إلى جانب القصة الأساسية، ثم يأتي التصميم والإخراج ونوع الورق. وحين يصدر الكتاب بعد رحلة طويلة قد تستغرق سنتين، فإن المهم هو التسويق، وكم يبدو مهلكا تسويق كتاب للطفل في وطننا العربي، وسط ظروفه القاهرة؛ السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية.تبدو كتب الأطفال مظلومة، قياسا بما يحظى به الشعر والرواية والقصة والمسرح والتشكيل. وربما كان هذا هو أحد الأسباب الرئيسة وراء تردي حالها. فنادرا ما نقرأ نقدا لقصة أطفال! ونادرا أيضا أن يُحتفى بكاتب متخصص في أدب الطفل! ونادرا جدا أن تخصص جريدة يومية صفحة لكتب الأطفال. وأكثر ندرة أن تجد قصة للأطفال ضمن المقرر المدرسي في المدرسة العربية. وقلما شاهدنا مهرجانا لكتب الأطفال يحتوي على مسرح وتشكيل وغناء! إن حلما مشروعا بنشوء طفل عربي متعلق بالقراءة إنما يبدأ مع قصة الطفل في حضن الأسرة والمدرسة، وتاليا المجتمع. كثيرة هي أحلامنا العربية المنظورة، وأدب الطفل هو أحدها.