الشاعر البحريني قاسم حداد يدعو الشباب إلى اكتشاف جماليات اللغة العربية
دعا الشاعر البحريني قاسم حداد الأجيال الجديدة من المبدعين إلى المشاركة المجتمعية الفاعلة وعدم الانعزال بكتاباتهم عن الواقع المعيش، جاء ذلك في ندوة عقدت ضمن فعاليات الدورة 48 لـ «معرض القاهرة الدولي للكتاب».
في خلال الندوة أشار قاسم حداد إلى وجود خيط رفيع يفصل بين السياسة والأدب، مؤكداً أهمية مراجعة بعض المصطلحات الخاصة بالأدب، من بينها مصطلح القطيعة مع التراث، وموضحاً أنه كان أحد المصطلحات التي جنت على الحداثة، ومتمنياً على الأجيال الجديدة التعامل بحرص شديد معه، وأن تكون لديها نظرة مختلفة عما وقعت فيه الأجيال السابقة، «لأننا لا نستطيع أن نحلق بأجنحتنا من دون اتصالنا بالجذور»، على حد تعبيره.أضاف قاسم حداد: «أعتقد أن كثيرا من التجارب المعاصرة بدأت تعي خطورة الفهم الخاطئ للقطيعة مع التراث، وعلى الشباب المبدعين اكتشاف جماليات اللغة العربية».
صراع بين الأجيال
في حديثه حول مسيرته الأدبية وتوقف حداد عند بعض المحطات في حياته التي كان لها تأثير في تكوينه الشخصي والفكري، لا سيما حقبة الستينيات وقال: «أظن أن معظم أبناء جيلي دخلوا الأدب والشعر من بوابة كبيرة، هي بوابة السياسة، فالستينيات كانت فترة مليئة بالنضال، وإذا تفحصنا تجارب الشعراء والمبدعين آنذاك لوجدنا أنهم انخرطوا مبكراً في النضال، وكانت الكتابة وسيلتهم في ذلك وسبباً مشروعاً، وسرعان ما اكتشفنا نحن أهمية التعبير الأدبي».أوضح أن جيله في البحرين لم يصادف، في بداية الستينيات، ذلك السجال أو ما يسميه البعض الصراع بين الأجيال، «لأننا بدأنا بعد فجوة كبيرة بيننا وبين الجيل السابق».أضاف: «عندما بدأ جيلنا يكتب تجاربه الإبداعية الأولى، كان ثمة فارق زمني يقدر بنحو عشرين سنة، ولم نكن قد رأينا من تجارب السابقين إلا تجربة الأستاذ إبراهيم العريض، وقد استحق هذا اللقب». حول مدى تداخل الأدب والسياسة قال: «أدركت أهمية التشبث بالشرط الإبداعي أكثر من الذهاب إلى الهاجس السياسي، من دون أن يعني ذلك أنني أدعو إلى الانعزال عن الهم السياسي، فهذا الزعم غير صحيح، ذلك أن الشاعر أو السياسي لا يستطيع الانعزال عن الواقع المحيط به، وما يشغله من قضايا أساسية وإنسانية، ولطبيعة الدور الذي ترشحه شخصية الشاعر أو المبدع الجوهري، وهو ما لا يدركه السياسيون أو النشطاء أو الحزبيون في النضال اليومي». تابع: «أظن أن ثمة قضايا عربية كنا جزءا منها، ونحمل جزءاً من همومها، فقد كنا جزءا من تيار شاسع يتداول مصطلحات تغلب عليها الطبيعة الأيديولوجية والحماسة، من ضمنها مفهوم الالتزام والواقعية الاشتراكية والأدب للجماهير، وكلها اتصلت بالهاجس السياسي. كان هاجسنا عميقاً وأحياناً يتطرف إلى الوهم ويتوجب أن يقود فعالياتنا الأدبية، وسرعان ما تحول ذلك إلى سجال عميق في البحرين سواء كان سياسياً أو ثقافياً عربياً».قصيدة النثر
وصف قاسم حداد قصيدة النثر بأنها تعاني الارباك بسبب الانصراف عن العناصر الفنية والموسيقى التي هي أبعد عن بحور الخليل، وما إلى ذلك، وأشار: «الكتابة في تقديري لا بد من أن تمنح النص درجة من الموسيقى، والموسيقى هنا ليست الوزن، وبالتالي الشاعر الجديد الذي يأتي متحرراً من القيود، يأتي عارياً، فتلك الحركة جلبت معها نوعاً من جاهزية الموسيقى، وعندما يخرج الشاعر عن التفعلية فعليه أن يقنع القارئ بأن ما يكتبه شعراَ، وهي مسؤولية تتضاعف وتستدعي وعياً جمالياً نوعياً».اعتبر أن الأجيال الجديدة عليها مسؤوليات اكتشاف جماليات اللغة العربية، والرجوع إلى الجذر الأساسي للموسيقى، فاللغة العربية ثرية ومن الخسارة أن يفرط الشاعر العربي فيها، «على المستوى الشخصي أحب أن أجد هذا الاختلاف بين النص المترجم والنص الأساسي للقصيدة التي يكتبها الشاعر العربي، وهذا ما أحرص دائماً على طرحه من أسئلة على الأجيال الجديدة، وللأسف استدركتها الأجيال الماضية، من هنا نناشد الأجيال الجديدة بأن تقترح علينا موسيقى جديدة».نبذة
قاسم حداد أحد أبرز الشعراء المعاصرين في البحرين، شارك في تأسيس «أسرة الأدباء والكتاب في البحرين» عام 1969، وشغل مراكز قيادية في إدارتها. تولى رئاسة تحرير مجلة «كلمات» التي صدرت عام 1987 وهو عضو مؤسس في فرقة «مسرح أوال». ترجمت أشعاره إلى لغات أجنبية.صدر له أكثر من 35 ديواناً، أبرزها: «قلب الحب»، «الدم الثاني»، «البشارة»، «النهروان», «انتماءات»، «شظايا»، «القيامة»، «مجنون ليلى»، «عزلة الملكات»، «يمشي مخفورا بالوعول»، «الغزالة يوم الأحد».فاز أخيراً بجائزة أبو القاسم عن ديوانه «أيها الفحم يا سيدي» الصادر في 2015 عن «دار مسعى للنشر والتوزيع».
الشاعر أو السياسي لا يستطيع الانعزال عن الواقع المحيط به وما يشغله من قضايا أساسية وإنسانية