لم يمنع انعقاد مؤتمر فيينا 1815 وتأسيسه لتوازن القوى الأوروبية منطقة القرم من الدخول في حرب، وسط حيرة المحللين السياسيين بين فشل المؤتمر في صد العدوان عن دولة القرم، والقصور في أدوات التحليل والتنبؤ السياسي آنذاك.

تاريخيا ووسط أجواء المزاج السلمي أثناء مؤتمر فيينا تحت مظلة "الزعامة الملكية الأوروبية" ومنها الرومانوف الروسية وهوهنزلرن البروسية وهابسبورغ النمساوية وستيوارت وهانوفر البريطانية. لم تكن روسيا ذات تأثير يذكر إلا في عهد إيفان "الرهيب"، أي بعد استقلالها عن الإمبراطورية المنغولية، واستمرت روسيا آنذاك بمناوراتها حتى نجحت في ابتلاع مدن وسواحل بحر قزوين.

Ad

وفي الوقت ذاته كان "رجل أوروبا المريض"، أي الدولة العثمانية وسط المعاناة من صراع السلاطين، وانتشار الفساد الإداري والتخلف عن الثورات العلمية والتحديث، وكانت الشعوب البلقانية آنذاك تعيش فترة مشابهة ليومنا هذا، أي الهروب من هيمنة دولة إلى جاذبية دولة أخرى، والصورة آنذاك كانت تمثل الهروب من الدولة العثمانية إلى الروسية.

ووسط استفزازت أوروبية بدأت الحركات الانفصالية تشق الصفوف بمنطقة القرم أو كريميا، مثيرة الحزازات العرقية، واتخذت الدول الأوروبية المجاورة سياسة حمائية خوفا من انتقال العدوى الإثنية والانفصالية إليها، فاستعانت الدولة العثمانية بالجيش المصري، وتدخلت بريطانيا وفرنسا من ناحية وروسيا من ناحية أخرى، ودارت الحرب دون حسم نهائي أو نتيجة واضحة، وبذلك اعتبرت حرب القرم عقبة نهائية في طريق السلام الذي أرساه مؤتمر فيينا.

اليوم يعيد التاريخ نفسه وتعاني المنطقة ذاتها هيمنة روسيا وجاذبية أوروبا، وقد عاشت الربيع الأوروبي وسط انطلاق "الثورات الملونة" كالزنبقية في قرغيزستان، والوردية في جورجيا، والبرتقالية في أوكرانيا، وغرقت في قضايا سوء الإدارة وما زالت واقعة في مثلث الهيمنة الروسية، ونتساءل اليوم وفي ظل الهجرة المليونية للاجئي الوطن العربي إلى أوروبا: هل مازال سكان كريميا يحلمون بدخول الاتحاد الأوروبي؟