لا معنى لمبدأ "الفصل بين السلطات" الدستوري مادامت هناك سلطة أو "سلطات" يمكنها أن تهيمن على اختصاص بقية السلطات الأخرى، فالمقولة التاريخية بأن السلطة تحد السلطة وبهذا تضمن حقوق الأفراد وحرياتهم وتحول دون أن تبتلع سلطة واحدة كأن تكون سلطة القصر أو السلطة التنفيذية كلتا السلطتين التشريعية والقضائية، هو أساس مبدأ الشرعية الدستورية وهو الضمانة الأكيدة للديمقراطية.

النصوص القانونية التي تمنع القضاء من النظر في مسائل الجنسية ودور العبادة والإبعاد وافتراضها على أنها من أعمال السيادة التي لا تخضع لرقابة القضاء هي مثال واضح على انتهاك مبدأ الفصل بين السلطات، وتعطينا نموذجاً بالغ السوء على تسيد السلطة التنفيذية وحصارها للسلطتين التشريعية والقضائية، وهذا ليس بالمثال الوحيد على خرق مبدأ الفصل بين السلطات، فهناك أمثلة أخرى لا مكان لعرضها الآن، وأمامنا واقع حزين مؤلم بعد حكم محكمة التمييز الأخير بعدم الاختصاص في قضية عائلة البرغش، وتم بهذا الحكم تأكيد النفي القانوني المطلق لأكثر من خمسين فرداً من عائلة واحدة "كانوا" مواطنين يوماً ما ليصبحوا "غير مواطنين" في لحظات، لأن فرداً منها وهو النائب السابق عبدالله البرغش نسي في طرحه السياسي وممارسة حقه الدستوري بالتعبير أن "يبلع العافية" حسب مقولة اللواء مازن الجراح.

Ad

الآن يرتفع عدد من الأصوات عالياً في البرلمان تطالب بوضع الأمور في نصابها سواء بمد سلطة القضاء للنظر في قضايا سحب وإسقاط الجنسية، أو بمنع السلطة الحكومية من الانفراد بقضايا سحب أو إسقاط الجنسية بتعديل بعض النصوص القانونية، وهذا بطبيعة الحال أمر مستحق لتحقيق الأمن القانوني بالدولة وطمأنة الإنسان بأن حقوقه بالمواطنة وهوية الانتماء للدولة لا يصح أن تخضع لمزاجية وعشوائية القرار السياسي، لكن هناك الخشية أن تكون مثل تلك المطالبات المحقة قد تغلق باب الأمل "لتسوية ودية" تعيد الجناسي المسلوبة واضعين في تصورنا الموقف الحكومي الرافض بشدة لأي تصحيح ومعها "الحكومة" تابعها قفة من نواب حزب "الحكومة أبخص" بالمجلس الذين سيصوتون ضد التعديل، وقد يدفع الضحايا الذين سلبت هوياتهم الوطنية ثمن محاولة تعديل الوضع المقلوب.

رأي النائب د. عادل الدمخي كما ورد في بعض تغريداته بالسعي النيابي للحل الودي والتوسط لإنهاء معاناة ضحايا سحب الجناسي يمثل واقعية صادقة إذا اخذنا في اعتبارنا وضعنا السياسي اليوم، بالتأكيد هذا لن يغلق أبواب كوابيس تقول "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض" بمعنى أن التسوية الودية بالتوسط لن تحقق انتصاراً للمبادئ التي يفترض أن تحمي الأفراد المواطنين من تهديدات السلطة بالمستقبل بنفي هوياتهم، لكن هنا تحديداً وأمامنا واقع العائلات الضحايا المأساوي قد يفرض علينا التمهل قليلاً في طرح التعديل حتى تستنفد مسألة إعادة الجناسي بالحل "التوسطي"، وبعدها يكون لكل حادث حديث...