يجب ألا نتعجب عندما استشاط ترامب غضباً، محمِّلاً «القاضي المزعوم»، الذي عاق حظر السفر الذي فرضه، مسؤولية «أي حادث قد يطرأ»، فقد صار جلياً راهناً أنه لا بد لقائد العالم الحر من النضج العاطفي، إذ يبدو كولد في الثانية من العمر يركل، ويلكم، ويحبس أنفاسه عندما لا يحظى بالمثلجات.

يعتبر ترامب كل ما لا يود سماعه أخباراً كاذبة، واضعاً يديه مجازياً على أذنيه: استطلاعات الرأي التي تظهر أن معظم الناس يرفضون حظره، والصور التي تؤكد أن الحشد في حفل تسلمه منصبه لم يكن تاريخياً؟ كلها مزيفة.

Ad

تشكّل طباع ترامب على أقل تقدير مشكلةً وأزمةً محتملة للعالم بأسره لا الأمة فحسب، ففي أحد اتصالاته الأولى مع القادة الأجانب نجح في إثارة استياء أستراليا بحد ذاتها، علماً أن هذه مسألة بالغة الصعوبة، فأي نوع من القادة يتهم أحد أبرز حلفائنا وأوفاهم بمحاولة إرسال «مفجري بوسطن المقبلين» إلى الولايات المتحدة؟ إنه قائد يفتقر إلى ضبط النفس بالكامل على ما يبدو.

أُدرك أن ترامب يهوى إثارة المتاعب ويمقت المعايير التقليدية، وأعي جيداً أنه يعتقد أنه يتمتع بتفويض يتيح له إدخال تغييرات جذرية على سياسة الهجرة الأميركية، مدافعاً عما يعتبره قيماً غربيةً، وفارضاً رؤيته الخاصة عن القوة الأميركية.

ولكن كيف يروّج التخاصم مع أستراليا كغايات مماثلة؟ يمكن اعتبار اعتداء ترامب على مفهوم استقلال القضاء صورة خارجة من أعمال أورويل، فقد غرّد ترامب يوم السبت: «إلامَ آل البلد عندما يتمكن قاضٍ من وقف حظر سفر يرتبط بالأمن القومي ويتيح لأي شخص، حتى مَن يملكون نوايا سيئة، القدوم إلى الولايات المتحدة؟». وفي إحدى الجمل المعبرة انتقد الرئيس مبدأ فصل السلطات، وزعم خطأ أن الإدارات السابقة سمحت بدخول مطلق لأي إنسان إلى البلد.

إذاً، هل تُعتبر هذه التغريدة محاولةً متعمدة لنشر الخوف كوسيلة للاستحواذ على سلطة أكبر؟ أم أن هذا يعكس رد فعل ترامب الطفولي الذي يحاول الرد بالضرب كل مَن يحاول ضربه؟

أعتقد أن الاحتمال الأخير يبقى الأرجح، لم ألاحظ أي إشارات إلى أن ترامب قادر على التحكّم في ميله إلى الرد، فقد تجلى ميله هذا بوضوح خلال حملته، ولا شك أن رجلاً في السبعين من عمره لن يتغير بسهولة.

يدرك المقربون من ترامب، على ما يبدو، أن الطريقة الوحيدة التي تتيح لهم تحقيق أهدافهم ونيل رضا الرئيس تشمل تحمّل نزواته على أمل أن ينجحوا في توجيهها في اتجاه محدد، على سبيل المثال طُلب من المتحدثين باسم البيت الأبيض، بمن فيهم مدير الإعلام شون سبايسر، محاكاة عدوانية ترامب المجروحة، ولا شك أن تقليد ميليسا مكارثي لسبايسر في برنامج Saturday Night Live أفضل عمل فكاهي شاهدته في حياتي.

يبدو أن المستشارَين البارزَين ستيفن بانون وستيفن ميلر يُعتبران راهناً الأكثر إتقاناً للعبة المناورة هذه في بلاط ترامب، فلم يحقق كبير الموظفين رينس بريبوس نجاحاً مماثلاً في حمل الرئيس على اتباع أجندة جمهورية تقليدية، مع أنه سيحظى على الأرجح بما يرغب فيه حزبه من تخفيف للقيود واقتطاعات ضريبية. في المقابل نالت مبالغة كيليان كونواي مع تحدثها عن «الوقائع البديلة» و»مجزرة غرين بولينغ» رضا رئيسها على ما يبدو لا العكس، أما صهره غاريد كوشنر، فلم يحقق أي إنجاز يُذكر حتى اليوم، إلا أنه يستطيع تقديم مساهمة كبيرة في تحقيق الأهداف الطويلة الأمد لأنه من العائلة ولن يقلق حيال تعرضه للطرد.

ولكن لا تنخدع: نتحدث عن تنامي وتراجع حظوظ دول تخدم من خلال التملق، والهمس، والتعبير الظاهري عن الولاء، نزوات زعيم قبلي، ستقدّم لنا السنوات الأربع المقبلة درساً تاريخياً عن المسائل التي أدت إلى ولادة الديمقراطية الأميركية.

* يوجين روبنسون | Eugene Robinson