الوافدون أهلنا
«الوافدون أهلنا» أقول ذلك لأن نصفي الآخر لبناني، فمعظم العوائل الكويتية تصاهرت مع أسر من الشام وغيرها من الدول الشقيقة والحبيبة، فهم ومن دون أي مزايدات أهلٌ لنا في السراء والضراء ولا غنى عنهم أيضا، ومع أني لستُ ضليعة في السياسة ولا في أرقام الإحصاءات والتركيبة السكانية في الكويت لكنني أؤمن أن الأرض لله ولا مُلك لنا فيها ولا في السماء، وحاجة أحدهم لنا نعمة من نعم الله علينا، بل باب رزق قد يشفع لنا يوم لا ينفعُ فيه شيء! قدّر الله أن يمنّ على الخليج بالنفط، بعد أن عانى ويلات الفقر وقلة الحيلة، وساهم ذلك كثيرا في بناء شخصيتهم الأصيلة وصقلها، ورغم أنني لم أعش تلك الحقبة الزمنية لكن آباءنا لحقوا ببعض قصصها لنا، ودائماً يذكروننا بأن كل هذا النعيم جاء من عرق أجدادنا الذين ماتوا قبل أن ترى أعينهم ما تمنّته يوما! وفي الوقت نفسه نحن جئنا مترفين بل مسرفين وغير حامدين. أغلبنا يتفق على أن جيل آبائنا أكثرُ حرصا منا، رُبما لأنهم شهدوا بؤس آبائهم وفقرهم، ومع ذلك نحنُ أكثر تمرداً منهم وجرأة، يلينا جيل أكثر منا إسرافا وجحودا، وهلم جرا، فكلما شهد المرء قسوة الظروف صار أكثر حرصا، وكلما عاش مترفا صار صعبا عليه أن يستشعر قيمة الأشياء من حوله، وقد لا يشعر أصلاً بمن هم في احتياج، ورغم ذلك فإنني أكتب كإنسانة بعيدا عن انتمائي وعقيدتي وكل ما يأتي بعد ذلك.
لا أجد أنه من الإنصاف أن نسعر أرضنا لمن هم في حاجتنا، بل لمن نحن في حاجتهم أيضا، ولا خلاف أننا دون إخوتنا الوافدين «لا نشك خيط بإبرة»، هم جنودنا على هذه الأرض، وهم اليد اليمنى لنا، ولا خير فينا إن لم نُقر بذلك.أتكلّم عمن يُقدّرون نعم الكويت عليهم ويحترمون أرضا احتوتهم فأحبوها وقدّموا لها بحب وولاء كبيرين، أتكلم عن أولئك الذين لا يشعرون بانتماء لغير الكويت، فهي لهم الوطن والسكن، وأذكر أنني ذات صباح أردتُ مساعدة إحدى الصديقات «خالة أم محمد» التي كانت تتألم من قدمها، فأخذتها إلى مستشفى الرازي لنجد حلا يريحها من الوخز الذي بات مزمنا لا يطاق، وبعد قطع طريق مزدحم كله إشارات ومنعطفات لا نهاية لها، عدا انتظار المواقف الممتلئة، وقطع الشارع مشياً في الجو البارد مما ساهم في زيادة شعورها بالألم، وفي أثناء انتظار دورنا في أحد شبابيك الاستقبال المكتظة، جاءنا الرد السريع «الوافدون يراجعون العصر» بما يفيد أنه لا يمكن استقبال أي مراجع «أجنبي» إلا في الفترة المسائية. ورغم أن «الخالة» كانت قد نبهتني لكنني لم أتوقع رفضهم استقبال حالتها المنهكة المثقلة بألم لا تعرف له مناصا منذ أيام، وفعلاً لن تشعر بمأساة غيرك إن لم تخضها بنفسك، ربما الحكمة تكمن في التنظيم كما يزعمون، لكنني لا أجد ما يبرر تقسيم الناس إلى فئات، حتى إن كنت مواطنة كويتية، لأنني قبل كل شيء إنسانة أحتاج إلى أشياء يحتاجها كذلك أخي الوافد، ولا يمكنني تخيّل أن أعاني ألما مزمنا يتعذر معه علاجي لأنني جئتُ في غير وقتي المحدد، لا أرى في ذلك إنسانية مطلقا ودون نقاش، ولا يحق لأي كان أن ينكر جميل أحد ما عليه.يبدو أننا كلّما تقدمنا صرنا أكثر قسوة، فطغت الأنا على الإنسانية للأسف، وما عاد المرء يهتم لثقب القارب الموازي لجهته، الأهم أن يسلم هو والبقية لا تعنيه، ومن ثم نعيب سياسة ترامب التي تنص على مبدأ «أنا ومن بعدي الطوفان» يا خوفي أن نحتاج يوما لأحدهم فيتكلف علينا بمنّة وفضل لا حول لنا فيها ولا قوة.