لم يعد أي مجتمع من المجتمعات بمعزل عن الفساد بما فيها المجتمع الكويتي، لكن القضية نسبية والعلامة الفارقة التي تتحكم فيها هي مدى تقبل أو رفض المجتمع لهذه الظاهرة، لذلك تجد الفساد شبه منعدم في المجتمعات الغربية، ويرجع السبب في ذلك إلى وجود نظام ديمقراطي حاكم يحمل مبادئ وقيماً وقوانين وثقافة مجتمعية تحارب الفساد بكل أشكاله مهما كانت قوة نفوذه؛ لذلك تجد خبر "استقالة وزيرة ألمانية من منصبها لاستخدامها كرت وقود بقيمة 20 يورو خارج ساعات العمل الرسمية" أمراً غير مستغرب.وإذا أسقطنا هذه الحالة على المجتمعات العربية بشكل عام والمجتمع الكويتي بشكل خاص، فحدث ولا حرج، فالفساد وصل للعظم، بل تعدى الأمر إلى عدم السيطرة عليه، مما أدى إلى انخفاض التوجه العام نحو محاربته، فانخفاض الوعي المجتمعي لدى الأفراد بمخاطر الفساد وآثاره السلبية أعطى الفساد بناء فعالاً في المجتمع الكويتي الذي نلاحظه اليوم.
وإذا كان الفساد حالة استثناء في المجتمعات الغربية فالخطير هو قبوله في الواقع، والتعايش معه في المجتمع الكويتي، الأمر الذي يعطي للفساد شكلاً من أشكال الشرعية، فانتهاز الفرص وتحقيق المكاسب بطرق ملتوية أسسا لثقافة الفساد داخل المجتمع.نتحدث عن الممارسات التي تحمي الفساد وبالتالي تسويقه في إطار منظومة القيم الاجتماعية، وإشاعة حالة من التراضي والقبول والتساهل بممارسته تحشت مبررات عديدة، ولعل أهمها على الإطلاق الجو العام الذي يشجع الفساد، فلا ضرر من ممارسته في حدود معينة، وهذه الحدود سرعان ما تتسع طولاً وعرضاً. لذلك أرى أن تحميل الحكومة ومجلس الأمة وحدهما مسؤولية محاربة الفساد أمر غير مجد، فلا بد أن يكون هناك دور مجتمعي فعال ومؤسسات مجتمع مدني وتيارات وأفراد... إلى غير ذلك من مكونات، فالفساد إنما هو فساد مجتمعي، وأشكاله الموجودة في المجلسين (الأمة والوزراء) إنما هي انعكاس لذلك.ختاماً: غير خفي على أحد أن الفساد يهدد السلم الاجتماعي، بل حتى النظام السياسي بأسره، وأن المعنيّ الأساسي بمحاربته هو المجتمع الكويتي نفسه، كونه يؤثر فيه بالدرجة الأولى، بشرط أن يضع خلف ظهره كل الخلافات القبلية والفئوية والطائفية... إلخ، ويتسلح بالوعي السياسي الذي يجعل مصلحة الكويت هي العليا مقابل المصالح الشخصية الضيقة، ليختفي من المشهد السياسي كل من يقتات على الخلافات المذهبية، حينها فقط يتم تحقيق المساءلة المجتمعية في مكافحة الفساد.ودمتم بخير.
مقالات - اضافات
High Light: ثقافة الفساد
11-02-2017