ذكرى الحريري... والأخطاء الفادحة!

تَحلُّ بعد غد الذكرى الثانية عشرة لاغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، ذلك الحدث الفارق في تاريخ المنطقة، والذي لم نتمكن، وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، من قراءة دلالاته واستنتاج ما سيحدث في المستقبل، لذا اتخذت عشرات القرارات الخليجية الخاطئة والمقاربات غير الحكيمة تجاه الملف اللبناني وأثره السلبي على المنطقة.

قرار حزب الله باغتيال الحريري الأب، الموجَّه إيرانياً، والمدعوم سورياً، لم يكن قراراً على مستوى وكلاء المشروع الإيراني في بيروت ودمشق، بل كان من أصحاب المشروع في طهران، وكان بمثابة إعلان من إيران للحرب في المنطقة، بعد أن استقر لها الأمر في العراق بصفقة مع الولايات المتحدة الأميركية، بعد فتاوى المرجعية الشيعية، المتمثلة في آية الله السيستاني، بعدم جواز مقاومة الأميركيين وقتالهم، في حين استمر السُّنة العرب في الفلوجة والأنبار كلها في قتالهم.

الخليجيون لم يفهموا أن قراراً كبيراً مثل اغتيال رئيس وزراء مدعوم من السعودية والغرب لا يمكن أن يتخذه وكلاء إيران في بيروت ودمشق دون قراءة دقيقة في طهران للساحة الدولية، وردود أفعالها المحتملة، والتي اقتصرت على قرارات دولية بلا فاعلية، ونتج عنها أيضاً خروج الجيش السوري من لبنان، وهو قرار كان قد اتخذ بالفعل في دمشق مسبقاً، لعلمهم أن حزب الله وحلفاءه سيدافعون عن المصالح السورية دون حاجة إلى وجود مادي لهم في لبنان يكلفهم تماساً مباشراً مع المجتمع الدولي عند وقوع عمليات اغتيال وتخريب على الأراضي اللبنانية.

المهم أن الأخطاء الخليجية استمرت، وانساقوا مع خداع ومناورات السفير الأميركي في لبنان جيفري فيلتمان، الذي تخلى وبلاده عن جميع من واجهوا إيران وحلفاءها في لبنان عندما اجتاح حزب الله بيروت في 7 مايو 2007، وتركوهم لمصيرهم، بل إنهم دفعوهم لاحقاً للذهاب إلى الدوحة، والتوقيع على اتفاق استسلام لحزب الله وحلفائه، ومع ذلك لم يلتزم زعيم الحزب حسن نصرالله بهذا الاتفاق، وانقلب عليه بعد عدة شهور.

عدم مواجهة حزب الله في لبنان أو ترك اللبنانيين ليواجهوه تسبب في مآسٍ بسورية واليمن وحتى البحرين، ومازلنا في دول الخليج ندعم السرطان اللبناني تحت قراءات خاطئة، بدعوى دعم الجيش اللبناني وصمود الشعب اللبناني المضطهد من فرض واقع قوة السلاح الشيعي الموالي لولاية الفقيه عليه، وهو وهم، فالدولة اللبنانية سقطت في حضن دويلة حزب الله، وكل دعم يقدم لها يصب تلقائياً في مصلحة تلك الدويلة، ويشد من أزرها إزاء ما تفعله من جرائم في حق الشعب السوري ومناصرة سفاح دمشق، ولن يغير ذلك إلا بمواجهة من اللبنانيين أنفسهم لهذا الواقع. أما الجيش، فإن قرر مواجهة الدويلة فسيتفكك وينهار، لذا فإن المقاربات الخليجية الجديدة مع بيروت والانفتاح على لبنان سيكونان سقطة كبيرة أخرى سندفع ثمنها مزيداً من الخسائر والحسرات، في حين أن المطلوب منذ 2005 هو عزل هذا البلد، حتى يتخلص من سرطان المشروع الفارسي الذي ينخر في جسده.