كان حدثا مهما الحديث عن وضع استراتيجية تنموية للكويت، ولكن إذا ما سلمنا بأن فكرة التنمية بحد ذاتها يجب أن تكون وثيقة الصلة بالمجتمع والفضاء المحيط به، وعلى النحو الذي حرصت فيه أغلب دول العالم الناهضة على أن تكون النواة الصلبة لمشروعها روح العصر وملمحه الرئيس، العولمة.

وتأسيسا على ذلك ينبغي تطويع مداميك التنمية وآلياتها كي تغدو متوافقة مع روح العصر، فالتعليم– على سبيل المثال– لا يغدو معصوماً عن تغيير يطرأ على فلسفته وما هو مرتجى منه، ولئن كان حجر الأساس في عملية التعليم يتمثل بتكميمه وتحشيد المعارف فإن من البدهي اجتراح مقاربات جديدة لأن فلسفة كهذه لم يعد لها موقع في العالم المعاصر، فالتعليم غدا بمفاهيمه القائمة على اكتساب مهارات التفكير النقدي، والإيمان بالتنوع، وروح المبادرة، فضلاً عن مهارات التواصل والتعليم الدائم هو الأنموذج المعتمد في العالم المتقدم.

Ad

وجه آخر لذلك يرتبط بضعف استقبال التكنولوجيا وهضمها في المجتمع، علماً أن ناصية التقدم الاقتصادي والمعرفي تنهض أساساً على الثورة التقنية المتطورة في المعلوماتية والإلكترونيات الدقيقة والهندسة البيولوجية، والأمر عينه حينما يتعلق بإنشاء المراكز العلمية والبحثية وتمويلها ودعمها، بدلاً من الاعتماد كلية على استيراد التكنولوجيا على النحو الذي يحيلها إلى ظاهرة دخيلة على المجتمع.

ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك الجانب بالرغم من أهميته، فخطط التنمية قبل كل شيء إنما ترتكز كلية على مشاركة المواطنين والتزامهم بمسؤولياتهم وثقتهم بأجهزة الإدارة الحكومية والقطاع الخاص، وإدراكهم العبء الذي يقع على تلك الأقطاب الثلاثة. ومعلوم أن الشرط الشارط لإنجاز ذلك يتجسد في قوة المجتمع المدني وحيويته من مجلس أمة ونقابات وجمعيات، فضلاً عن توسيع قدرة المواطنين على التدخل في القضايا المختلفة، وتعضيد دورهم في عملية صنع القرار وإشراكهم بالتالي في حصاد ثمار التنمية. وفي حين تبدو الصورة غير مشرقة في هذا الجانب، متى ما استشهدنا– تمثيلاً لا حصراً– بدور المرأة المفترض في خطط التنمية، حيث لا تزال هناك عقبات كثيرة تظهر بين وقت وآخر في ما يتعلق بحجم مشاركة المرأة في سوق العمل، أو فتح الباب واسعاً أمامها لتوظيف قدراتها الإبداعية.

قد يكون ذلك هو المدخل الواقعي لإنجاز تقدم في ميادين أخرى كميدان الصناعة، الذي يعد في المنطقة ذا وضع مزرٍ ومشين، فالاسترخاء المديد على مصدر أحادي للثروة قد خلق فجوة صناعية كبرى بيننا وبين العالم، وبوسعنا إدراك ذلك الانبهار الذي لم يخفه القائمون على التخطيط الاقتصادي والصناعي بتجربة التنانين الآسيوية الصغيرة وسوقهم إلى نقل بعض خبراتهم.

فقد أضحى من المعيب انعدام قاعدة صناعية تغطي جزءاً يسيراً من احتياجات الاستهلاك المحلي. ناهيك عن أن ثمة تردداً ما زال مقيماً في الذهنية الحكومية تجاه بناء قواعد لمجتمعات صناعية تغطي كل الصناعات الأساسية، وتربطها بسياسات تكنولوجية متوائمة معها سلفاً. وقد يكون ذلك ما تتأهب الرؤية التنموية على معالجته وإيضاح الكيفية التي يتحول من خلالها إلى حقيقة متجسدة، وإن تحقق ذلك فإنها حتماً خطوة هائلة في الطريق القويم.