الميزانية الجديدة توحي بأن الإصلاح المالي لم يعد مطروحاً
ارتفاع الإيرادات المتوقعة لا علاقة له بالسياسات بل بارتفاع أسعار النفط فقط
ما يفترض أن يوحي بصدق توجهات الإصلاح والركائز السبعة لرؤية الكويت 2035، هو اتساق السياسات العامة الآنية والتزامها بأهداف الإصلاح والتنمية متوسطة وبعيدة المدى، والقراءة في مشروع موازنة 2017-2018 لا يوحي بصدق تلك التوجهات.
قال تقرير "الشال" الأسبوعي، إن الأرقام الأولية الخاصة بمشروع موازنة 2017/2018، ومؤشراتها توحي بأن الإصلاح المالي لم يعد مطروحاً رغم كثرة عناوينه، ذلك صحيح من زاويتَي جملة الإيرادات والمصروفات، وصحيح ذلك الانطباع أيضاً عند التدقيق في تفاصيل بنود تلك الإيرادات والمصروفات، وصحيح أن الوعود بتقديم موازنات عامة محصنة على مدى ثلاث سنوات، "لم تصدق".ووفق التقرير، بلغت الإيرادات المقدرة نحو 13.3 مليار دينار كويتي، بارتفاع عن المقدر في موازنة السنة المالية الحالية بنحو 3.1 مليارات دينار، وكل الزيادة في الإيرادات كانت حصيلة زيادة في الإيرادات النفطية، وحتى الزيادة في الإيرادات النفطية، جاءت بفعل متغيرات لاعلاقة لسياسات الإصلاح فيها.وفي التفاصيل، وبعد اتفاق منتجي النفط التقليدي على سحب 1.8 مليون برميل يومياً من فائض المعروض، تمت زيادة سعر برميل النفط الكويتي المقدر في الموازنة الحالية من 35 دولاراً، إلى 45 دولاراً في الموازنة القادمة، أي بنسبة زيادة بحدود 28.6 في المئة، مع تقدير لإنتاج النفط بلغ 2.8 مليون برميل يومياً، رغم أن حد الإنتاج الفعلي وفقاً لإتفاق "أوبك" هو 2.7 مليون برميل يومياً.
ومع ثبات كل من تكلفة الإنتاج -2.26 دينار أو 7.5 دولارات للبرميل وثبات سعر صرف الدولار عند 301 فلس، انخفض العجز المقدر تلقائياً دون أي جهد، ورغم أن سياسات الإصلاح رفعت من أسعار السلع والخدمات العامة، وكان يفترض أن تنعكس حصيلتها على زيادة الإيرادات غير النفطية، لكن تقدير تلك الإيرادات ظل ثابتاً عند 1.6 مليار دينار، ربما لأن حصيلة زيادة أسعار الديزل والبنزين تذهب للقطاع النفطي، والبقية لم تنفذ بعد.وفي جانب النفقات، كان الانحراف أكبر، فبعد حديث متكرر عن مواجهة الهدر والفساد وضغط النفقات العامة، بلغت جملة النفقات العامة في الموازنة القادمة نحو 19.9 مليار دينار، بارتفاع بلغ 1 مليار دينار، أي بنسبة زيادة بنحو 5.3 في المئة. وزادت مخصصات باب الرواتب والأجور بنحو 325 مليون دينار، أي بنسبة نمو بنحو 3.1 في المئة، لتشكل نحو 54.1 في المئة من جملة النفقات العامة، وارتفعت مصروفات الدعوم بنحو 208 ملايين دينار، أو بنسبة نمو بنحو 7.1 في المئة، ليساهم كل من الرواتب والأجور والدعوم بنحو 70 في المئة من جملة النفقات العامة.وزادت مخصصات المصروفات الرأسمالية بنحو 152 مليون دينار كويتي، أي بنسبة نمو بنحو 4.6 في المئة، والمصروفات الرأسمالية قد تتحول إلى عبء جديد على المالية العامة ما لم ترتبط بأرقام لخلق وظائف مستدامة للعمالة المواطنة، وما لم تربط بتحسين لتنافسية الاقتصاد أو أفضليته في تحقيق الأهداف المعلنة لمشروع التنمية. وازدادت باقي المصروفات التي لا نعرف تفاصيلها بنحو 324 مليون دينار، أو بنسبة نمو بنحو 14.4 في المئة، وهو معدل نمو مرتفع ما لم يكن مبرراً، وبمستوى قريب من معدلات نمو النفقات العامة في زمن رواج سوق النفط، عندما كان سعر برميل النفط الكويتي نحو 2.2 ضعف مستواه الحالي.وعادت النفقات العامة للنمو خلافاً للهدف المعلن وهو ردم الفجوة المالية أو خفضها، وارتفع سعر التعادل لبرميل النفط في الموازنة القادمة إلى 71 دولاراً من 67 دولاراً للسنة المالية الحالية، وذلك بعد اقتطاع المرحل لاحتياطي الأجيال القادمة. ولا يرتبط النمو في المصروفات المقدرة لأبواب الموازنة بأهداف الإصلاح، وإنما بعكسها، وسوف تتم تغطية العجز بالاقتراض ثم يأتي سداد الأقساط والفوائد، وهو عبء يتراكم مستقبلاً لزيادة حجم خلل المالية العامة.وما يفترض أن يوحي بصدقية توجهات الإصلاح والركائز السبع لرؤية الكويت 2035، هو اتساق السياسات العامة الآنية والتزامها بأهداف الإصلاح والتنمية متوسطة وبعيدة المدى، والقراءة في مشروع موازنة 2017-2018 لا يوحي بصدقية تلك التوجهات. ويبقى، أن كل ما ذكرنا أعلاه يعتمد على تحليل أرقام أولية، قد تتغير لاحقاً، لكنها المتوفرة بعد حقبة نفاذ المهلة الدستورية لنشرها، وسوف نعيد تحليلنا لها وحكمنا عليها إن تم تعديلها إلى الأفضل.
عادت النفقات العامة للنمو خلافاً للهدف المعلن بردم الفجوة المالية أو خفضها